إلى أين


إلى أين


نعم إلى أين نحن ذاهبون تفرّقت السبل وتشعّبت الطرق وأعجب كل برأيه وسباق ندري ولا ندري بهدفه ونهاية تنذر بشر حتى تكالبت الأمم علينا واتفق علينا المختلفون ولا مفر بل أين المفر كنا أمة واحدة سبيلنا واحدة وأوشكت السفينة أن تغرق ونحن سكارى سكارى بحب التفرد والاعتزاز بـ ” أنا ” والفرق والطوائف اتحدت للقضاء علينا شبابنا لا يدري بما يحدق بنا من خطر تفرقوا ضحايا لأسماء ما أنزل الله بها من سلطان ومسميات لا ندري من أين جاءت وكيف وفدت ومن أقرها أصبحنا مرتبطين بأسماء برَّاقة هذا مدير عام الإسلام اليوم وهذا المسؤول عن المسلمين وفي المستقبل وهذا مؤسس شبكة الإسلام العالمية وهذا المختص في حل مشاكل المسلمين فأقول من أنشأ هذه ومن أقرَّ بها أفلا ترون أنها شاركت في تفرق الأمة الواحدة وإذا أضفنا إليها الأحزاب ثم تأتي التصنيفات ثم الألقاب والهمز واللهمز لمن يخالفها وهل لهؤلاء مرجعية مرتضاة لا بل كل بلدة وكل قرية تعتز بنفسها وترى أنها هي التي على الحق .
وإذا عدنا وجدنا الغلو والتطرف بل والتبديع والتفسيق والتضليل عند قوم صدَّروا أنفسهم حكاماً على مخالفيهم .
وما درى هؤلاء أنهم هم السبب في الكوارث والويلات التي حلَّت وتحل بديار المسلمين حتى تفرقوا وتقاتلوا فأفكارهم الضيقة وضحالتها أثرت في أقليات في كل بلاد المسلمين فبدعوا وضللوا باسم الإسلام وباسم أهل السنة فوقف في وجههم من يرد باطلهم حتى حملوا السيوف على بعض ثم في النهاية هم يتفرجون على كل ما حل ويحل من كوارث هم في دور المتفرج ثم إذا وقف الناصح وقال لهم كفوا وكفوا سفهاءكم فإذا بهم يتبرأون ويتنصلون ألا يوجد رجل رشيد البلاد الإسلامية أغلبها أصحاب مذاهب ومشارب فيهم الوسطي وفيهم الغالي ولابد من تعايشهم وتعايشوا مئات السنين حتى خرج من بيننا من أَثار الفتنة التي أكلت وتأكل الأخضر واليابس .
ولمَّا كان أهل السنة معتصمين بالكتاب والسنة على فهم سلفنا الصالح الممثلين في المذاهب الأربعة المالكية والحنفية والشافعية والحنابلة المدونة مذاهبهم وكان لكل مذهب مرجعية في كل عصر فلما فتح باب الاجتهاد على مصراعيه لكل من هبّ ودب وظن أصحاب الشهادات العليا أنهم أوتوا كل العلم حتى سادت الفوضى ورحم الله عمر بن الخطاب الذي يقول : إنَّ هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم .
وقد صدق رضي الله عنه فإنَّ أكثر المتصدرين في الفضائيات ليس همهم إلاَّ تلميع أنفسهم وجمع المال حتى صاروا يتفاخرون بمساكنهم وبمركوبهم وأنه نعم المال الصالح للرجل الصالح فزكوا أنفسهم وليسوا بحاجة إلى من يزكيهم ورحم الله عمر بن عبدالعزيز لمَّا ولى الخلافة خيَّر زوجته فاطمة بنت عبدالملك خيَّرها بأن تبقى زوجته أو أن تضع حليها في بيت مال المسلمين فاختارته على حليها الذي ورثته أو أعطاها إياه أبوها الخليفة عبدالملك .
وبالأمس القريب يحكي لنا العلامة الشيخ أحمد الشرباصي رحمه الله يقول لمَّا شارك العلامة السيد أبو الحسن الندوي في أحد المؤتمرات وانتهى الاجتماع لم يجدوه فلما بحثوا عنه وجدوه نائماً في المسجد الجامع متوسداً يده فأيقظوه لماذا تنام هنا ؟ قم فأنت لك جناح في الفندق والعشاء ينتظرك فرد قائلاً : ما جئنا لنسكن في الفنادق الفاخرة وهناك من هم بحاجة إلى هذا المال ينفق عليهم أمّا أنا فقد شبعت من طعميتكم الشهية بقليل من المال وأرى أنَّ نومي هنا أهدأ بالاً لي انظروا عظمة هذا الشيخ الجليل الذي ملأ الدنيا بعلمه وعمله فكل مؤلفاته العظيمة والمقبولة ومنها كتاب ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين هذا الكتاب الذي أعجب به كل من قرأه حتى قرر على أكثر جامعات العالم ومدارسه فالمشكلة أنَّ الذين يقودون الساحة ليسوا من بيوت علمية ولم يأخذوا العلم المؤصل فقد والله أثاروا الفتن وكلٌ لسان حاله ومقاله يقول اتبعوني فأنا قارب النجاة وأقول لا نجاة إلاَّ بالارتباط بالمذاهب الأربعة المرتبطة بالكتاب والسنة وهي التي رضيها جمهور المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها كتب نهجية لا تبدع ولا تفسق ولا تضلل وفيها أبواب للإيمان والردة وأهل البغي بضوابط وقواعد متفق عليها ورحم الله الإمام أحمد فقد نقل عنه أبو يعلى في طبقات الحنابلة ” أنَّ من لا يرى التقليد يعد فاسقاً ” .
هذا والله من وراء القصد .

بقلم خادم أهل العلم
محمد بن عبدالرحمن بن حسين آل إسماعيل
www.alismaeil.com
* جريدة الرياض الأحد 10 شوال 1436 هـ – 26 يوليو 2015م – العدد 17198
http://www.alriyadh.com/1067821