تعبير الرؤيا


تعبير الرؤيا


كثرت في هذه الأيام مواقع وقنوات تعبير الرؤيا و أصبحت السوق الرائجة وكثر المعبرون حتى ليكادون أن ينافسوا المكاتب العقارية وأكثر ماعليه هو أن يشتري تفسير الرؤيا لابن سيرين وتعطير الأنام لعبدالغني النابلسي ثم ينصب نفسه للتدخل في أمور الناس الشخصية والداخلية وقد يثير فتنة في أسرة ما بترويع الآمنين فحدث ولا حرج ففلان سوف يموت غداً وفلان سوف يرزق يوم كذا الساعة كذا من الشهر كذا بمبلغ من المال أو كارثة وإذا أراد نجاح بضاعته فإنه يكثر من العلماء الذين أخذ منهم وخاصة الكبار الذين ربما أنه ما رآهم في حياته حتى رؤيا عين ثم يجعل له مروجين وبعضهم يأخذ مقابل على هذا وإذا رأيت حال الأكثر وجدته حَرفياً سيء الظن في الناس لا يعرف الناس ولا أحوالهم يخدع من أقل الناس فهما وما درى أنَّ تعبير الرؤيا يحتاج إلى فراسة وإطلاع كامل بأحوال الناس ولغاتهم لأنَّ الرؤيا قد يراها أربعة أو خمسة ولكن لكل رؤياه كالطبيب الذي يزوره خمسة يشكون صداعاً ولكن أمراضهم تختلف حسب الأعراض فواحد مصاب بزكام والثاني مصاب بالجيوب الأنفية والثالث مرتفع ضغطه والرابع معه تخمة والخامس معه قلق فمن أين يعرف تعبير الرؤيا من غلظ طبعه وقل فهمه ولا تجربة له ولا فراسة ولا ذكاء ولا فطنة ثم هل تعبير الرؤيا عن طريق الصحيفة أو التلفاز دون معرفة بحال السائل وما يحيط به وسلوكياته ثم لابد أن يكون المعبر ليس ذا حقد ولا غضب ولا إقصائي وألاَّ تعرض إلاَّ على صديق أو رجل صالح ولا يترتب عليها كشف عورة أو سؤة أو إثارة فتنة فإن ظهر للمعبر شيء من ذلك قال له خير إن شاء الله ولكن مع الأسف أذكر أن أحدهم ينسب إلى العلم والصلاح سأله شاب عن رؤيا فلما خرج الشاب من عنده قال هذا الشيخ للحاضرين سوف يموت هذا الشاب في حادث وفعلاً مع أنَّ الرؤيا على جناح طير لو قال خير إن شاء الله لصارت خيراً.
          وبعد آخر يقول: أنا أخبرت الشيخ فلان بدنو أجله لما سألني عن رؤياه وأنَّ الشيخ بعدها اضطرب وتغيرت حاله ومات بعدها وشخص يكره قريباً له اتصل بهذا القريب هاتفياً قائلاً له لقد رأيتك وأولادك في رؤيا وسألت عنها الشيخ فلان فقال: سوف يصاب هؤلاء بجنون واختلال في عقولهم.
          ثم إنَّ هؤلاء المعبرين يختلفون ويكون الضحية صاحب الرؤيا المسكين.
قال صاحب جامع تفاسير الأحلام المسمى ((تنبيه الأفهام بتأول الأحلام)): وينبغي ألاَّ تقص الرؤيا على إلاَّ على عالم بأصول التعبير وقوانينه مجرَّب في الإصابة حليم ذي تأنٍ وتدبر ولا يقصها الرائي إلاَّ على من يحبه … ولا يشرع في الجواب حتى يستوفي السؤال بتمامه ويطيل التأمل والتدبر ولا يعجل ولا يعبر حتى يعلم من الرائي،وإذا ظهر له من الرؤيا عورة لكون الرائي مكباً على معصية كتم ذلك ولا يذكره له بل يأمره بالتقوى ويعظه وإن دلت على حصول غمٍ أو كرب أو معصية كتم ذلك أيضاً ويأمره بالصدقة.
          وينبغي أن يكون المعبر ذا حذاقة صدوقاً في كلامه حسناً في أفعاله مشتهراً بالديانة والصيانة وإنما يميز بين رؤية كل أحد بحسب حاله وما يليق به ويناسبه ولا يساوي الناس فيما يرونه ويعتبر في تعبيره على ما يظهر له من آيات القرآن ومن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وما نقله المتقدمون في كتبهم وإذا أصاب في تعبيره فلا يعجب بنفسه بل يشكر الله الذي هداه ووفقه لإصابة الصواب. وإذا اجتمع في الرؤيا ما يدل على خير وعلى شر فإنَّ المعبر يغلب الأرجح والأقوى بينهما ويحكم به ثم إذا علمت الرؤيا وفهمت من أولها إلى آخرها فتأويلها سهل وإن علم بعضها وأشكل البعض فيعبر ما علم ويفحص عن الباقي بعضا فبعضاً،فإن صارت أبعاضها مفهومة فذلك وإن لم تفهم كلها نظر في المناسبة بين أجزائها فإن كان لها مناسبة استدل بتلك المناسبة من بعضها البعض،ويدقق النظر في استنباط تأويلها فإن كانت الرؤيا غريبة نادرة لم يقع مثلها فلا يتجاسر ولا يبادر في تأويلها بل يتوقف فيها حتى تظهر عاقبتها. انتهى ص13 ، 14
والمعلم على حروف المعجم في تعبير الأحلام ص49
وإن عبر معبر على غير الوجه عناداً أو كان خيراً وصل إلى صاحب الرؤيا وإن كان شراً وصل إلى المعبر ص57 المعلم.
          وبالمناسبة فإنَّ كثيراً من الإخوان والأخوات يتصلون بي طالبين تعبير رؤياهم وأجيبهم بأني لا أعبر الرؤيا فيردون عليَّ بأننا وجدنا اسمك من ضمن أسماء المعبرين.

          وإني من هذا المنبر أعلنها بأني لا أعبر الرؤيا وليتق الله من تصدر لتعبير الرؤيا وهو عالم فكيف بالجاهل فلا يتلاعبوا بعقول الجهال والسذج وليبحثوا عن الكسب الحلال ويتركوا البحث عن الشهرة في مجال آخر.هذا والله من وراء القصد.

 

كتبه خادم أهل العلم

محمد بن عبدالرحمن بن حسين آل إسماعيل

* نشر في جريدة الرياض الجمعة 2 شعبان 1430هـ – 24 يوليو2009م – العدد 15005
تحت عنوان: تفسير (الأحلام) سوق رائجة تنافس المكاتب العقارية!
http://www.alriyadh.com/2009/07/24/article447100.html