الإمام ابن قتيبة صاحب ((أدب الكاتب)) و ((عيون الأخبار))


الإمام ابن قتيبة صاحب ((أدب الكاتب)) و ((عيون الأخبار))


الإمام ابن قتيبة
صاحب ((أدب الكاتب)) و ((عيون الأخبار))
(( الحلقة الأولى ))
 
          عالمنا هذا إمام في الأدب،واللغة والفقه والحديث،والتفسير،والفلك،والتأريخ،إمام في سائر العلوم الإسلامية واللسانية. هذا هو شأن علماء المسلمين،وهو الذي جعلهم يبرزون على غيرهم،وهو الذي جعل المكتبات في العالم تزخر بالنافع والمفيد في شتى العلوم والمعارف لأنهم يؤمنون بأن العلوم بعضها يأخذ برقاب بعض فإذا كتب العالم المسلم في الشرع فلا بُد له من إقناع الآخرين،إذا هو بحاجة إلى (علم البيان)،ولابُدَّ أن يبين الفاعل والمفعول به والداخل في قضيته والمستثنى منها،إذا لابد له من معرفة (علم النحو)،ثم إنه يحتاج في حديثه إلى تمهيد وتوطئة ليسهل جذب القارئ أو السامع بالأسلوب الجذاب،إذاً لابد له من معرفة (علم الأدب)،وسوف يستشهد بوقائع،إذاً لابد له من معرفة (التاريخ)،وهناك مواسم وأوقات لبعض العبادات،إذاً لابد أن يعرف شيئاً من (علم الفلك)،وهو أساساً مستدل بالكتاب الكريم،إذاً سيكون مستحضراً الآية الكريمة وتفسيرها وشيئاً من الغريب وفقه اللغة،ومستدل كذلك بالسنة المطهرة،إذاً لابد أن يعرف صحة الحديث المستشهد به..وهلم جرا. إذاً لا غرابة أن يكون علماء المسلمين متخصصين في أكثر من فن ((فابن قتيبة))و((ابن جرير))و((ابن حزم))و((النووي))و((ابن قدامة))و((الذهبي))و((ابن كثير))و((ابن تيمية))و((ابن القيم))و((السيوطي)) وغيرهم،قد نهجوا هذا النهج في شمولية المعرفة. قدمت بهذه التقدمة،حتى يزول الاستغراب عن مثقفينا وشباب هذا العصر،حيث ترى دكتوراً،يكتب في قضية من القضايا،لا يلتزم بالقواعد النحوية،يرفع المنصوب،وينصب المرفوع،ويحرك المجزوم!! فإذا ما ناقشته أجابك بأنه لم يتخصص في النحو،وما درى أن العلوم اللسانية من نحو ولغة وبيان هي القنطرة للعلوم الإسلامية وغيرها! بل لكل العلوم فهي الجسر الموصل وبدونها تنقطع العلوم.
ترجمته:
          هو أبو محمد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري النحوي اللغوي،وقيل المروزي،كانت ولادته سنة ثلاث عشرة ومائتين ولد ببغداد،وقيل بالكوفة،وأقام بالدينور مدة قاضياً فنسب إليها(1).
          وهو صاحب المؤلفات البديعة المفيدة المحتوية على علوم جمة اشتغل ببغداد،وسمع بها الحديث عى (إسحاق بن راهويه)،وطبقته، وأخذ اللغة عن (أبي حاتم الجستاني) وذويه(2)،وروى عن ((الدباسي))،و((أبي سعيد الضرير))(3) قال (ابن خلّكان) سكن بغداد وحدث بها عن إسحاق بن راهويه وأبي إسحاق إبراهيم بن سفيان بن سليمان بن أبي بكر بن عبدالرحمن بن زياد بن أبيه الزيادي،وأبي حاتم السجستاني وتلك الطبقة)) (4).
          وأجمع علماء التراجم على أن (ابن قتيبة) من أسرة فارسية، كانت تقطن مدينة ((مرو)) وأنه ولد أواخر خلافة ((المأمون بن هارون الرشيد)) كما أنهم اتفقوا على أنه نشأ ببغداد التي كانت حاضرة الخلافة الإسلامية،وموطن العلماء الأعلام في كل فن،وكعبة العلم التي يحج إليها رواد الثقافة والمعرفة من جميع أنحاء البلاد الإسلامية))(5).
          روى عنه ابنه أحمد،وعبدالله بن درستويه الفارسي(6) وعبدالله بن عبدالرحمن السكري.
مكانته العلمية ودفع ما نُسب إليه:
          هذا الإمام الجليل ابتُلي مثل غيره،فقيل فيه،وتقول عليه،ونُسب إليه،ولكن الله سبحانه وتعالى، أخرج له من ينتصر له ويذبّ عنه من رجال عدول، يرجع إليهم في الجرح والتعديل.
قال عنه: (شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن عبدالحليم بن تيمية) قدَّس الله روحه في تفسيره لسورة الإخلاص،وابن قتيبة من المنتسبين إلى أحمد وإسحاق،والمنتصرين لمذاهب السنة المشهورة، وله في ذلك مصنفات متعددة وقال فيه صاحب كتاب ((التحديث بمناقب أهل الحديث)): وهو أحد أعلام الأئمة والعلماء والفضلاء أجودهم تصنيفاً، وأحسنهم ترصيفاً، له زهاء ثلاثمائة مصنف، وكان يميل إلى (مذهب أحمد وإسحاق)، وكان معاصراً لإبراهيم الحربي ومحمد بن نصر المرزوي، وكان أهل المغرب يعظمونه،ويقولون: من استجاز الوقيعة في ((ابن قتيبة)) يُتَّهم بالزندقة،ويقولون: كل بيت ليس فيه شيء من تصنيفه لا خير فيه. قلتُ:ويقال: هو لأهل السنة مثل الجاحظ للمعتزلة،فإنه خطيب السنة كما أن الجاحظ خطيب المعتزلة.
          ثم قال ((شيخ الإسلام)): وأما اللغويون الذين يقولون: إن الراسخين لا يعلمون معنى المتشابه،فهم متناقضون إلى أن قال: وابن الأنباري الذي بالغ في نصر ذلك القول هو من أكثر الناس كلاماً في معاني الآي المتشابهات يذكر فيها من الأقوال ما لم ينقل عن أحد من السلف ويحتج لما يقوله في القرآن بالشاذ من اللغة، وهو قصده بذلك الإنكار على ابن قتيبة، (وليس هو أعلم بمعاني القرآن والحديث، واتباعاً للسنة من ((ابن قتيبة))،ولا أفقه في ذلك، وإن كان ابن الأنباري من أحفظ الناس للغة،لكن باب فقه النصوص غير باب حفظ ألفاظ اللغة) وقد نقم هو وغيره على (ابن قتيبة) كونه رد على ((أبي عبيد)) أشياء، وسلك من تفسير غريب الحديث،وابن قتيبة قد اعتذر ذلك وسلك في ذلك مسلك أمثاله من أهل العلم، وهو وأمثاله يصيبون تارة ويخطئون أخرى (7).
          وإليك الآن ما قاله فيه أهل العلم والإتقان في علمه وتمكنه وتقدمه (يرحمه الله).
قال الخطيب البغدادي (يرحمه الله) كان ثقة ديناً فاضلاً.
وقال في المتفق: شهرته ظاهرة في العلم،ومحله من الأدب، لا يحقر (8).
وقال ملسمة بن قاسم: كان لغوياً كثير التأليف عالماً بالتصنيف،صدوقاً من أهل السنة، يقال كان يذهب إلى قول إسحاق بن راهويه، وسمعت محمد بن زكريا بن عبدالأعلى يقول: كان ابن قتيبة يذهب إلى مذهب (مالك) وقال نفطويه: كان إذا خلا في بيته وعمل شيئاً جوده، وما أعلمه حكى شيئاً في اللغة إلا صدق فيه.
          وقال ((ابن حزم)) كان ثقة في دينه وعلمه، وقال ((النديم)): كان صادقاً فيما يرويه عالماً باللغة والنحو وكتبه مرغوب فيها وذكر من كتبه نحواً من ستين كتاباً (9).
          وقال ((الحافظ ابن كثير)): ابن قتيبة أحد العلماء والأدباء،والحفاظ الأذكياء،وقد تقدمت ترجمته،وكان ثقة نبيلا،وكان أهل العلم يتهمون من لم يكن في منزله شيء من تصانيفه (10).
          وقال صاحب شذرات الذهب: وكان فاضلاً ثقة سكن بغداد الخ(11).
وقال صاحب: تاريخ اللغة العربية: ((وكان عالماً في اللغة والنحو و الشرع، متفنناً في العلوم فيما يرويه، مستقل الفكر جريئاً في قول الحق، وهو أول من تجرأ على النقد الأدبي فألف في أكثر فنون الأدب المعروفة والباقي من مؤلفاته إلى اليوم حسن وشائع وبعضها من أمهات كتب التاريخ والأدب(12).
          وقال عنه النووي (يرحمه الله): اللغوي الفاضل في علوم كثيرة، سكن بغداد، وله مصنفات كثيرة جداً، رأيت فهرستها ونسيت عددها، أظنها تزيد على ستين مصنفاً في أنواع العلوم، فمن كتبه التي رأيتها غريب القرآن، ومشكل القرآن، وغريب الحديث، وأدب الكاتب، والمعارف، وعيون الأخبار (13).

لقراءة الحلقة الأولى كاملة والحلقة الثانية اضغط هنا

* نشرت (الحلقة الأولى) في مجلة المنهل محرم 1416 هـ الموافق يونية 1995م

و(الحلقة الثانية)  في مجلة المنهل صفر 1416 هـ الموافق يوليو 1995م