الشيخ ال اسماعيل يواصل تقليب ذاكرته مع اليوم: « الجزء الثاني»
الأحساء عروس « عاطلة» وتاريخها مفقود
بصمات الشيخ العرفج الخيرة على رؤوس الأشهاد ومكتبتي تضيع فيها
الاحساء – عادل الذكر الله
نستكمل في عدد اليوم الجزء الثاني من الحوار مع فضيلة الشيخ محمد بن حسين آل إسماعيل مدير فرع الشئون الإسلامية بمحافظة الاحساء سابقا والذي يشهد له الجميع بالهدوء والاتزان والتواضع ويتميز ببراعته في الإجابات الموضوعية والشفافة والصريحة والمقنعة بسبب « الكاريزما» التي يتحلى بها والوضوح في الرؤى وتسمية الأشياء بمسمياتها نتيجة لبصيرته النيرة التي تنهل توهجها من والده وجده فهو سليل عائلة علم وثقافة ومعرفة .
فبعد ان أثري القراء في الجزء الأول بالحديث عن الولادة والنشأة والأسرة وزملاء الدراسة وقلب ذكريات الطفولة والشباب .. يتحدث اليوم عن مسقط رأسه مدينة الاحساء وجاراتها واهلها وطقوسهم وطرائقهم وتاريخ هذه المدينة الزاخر وحاضرها الزاهر لذا نترككم معه ليواصل حديثه الشيق .
– أحياء الرياض وذكرياتها:
كانت لي في الرياض ذكريات لا أنساها حين كانت الأحياء فيها حي دخنة، والعطايف، الظهيرة، والشرقية وكان أهل الرياض على جانب عظيم من التواصل مع اختلاف أنسابهم حتى أن الرجل ليسلم على امرأة جاره وترد عليه وهم قوم على فطرتهم فطرة التوحيد ولي ذكريات في سد لبن وصلبوخ حيث تمتد الخضرة من سلطانة والباطن إلى عرقة فالدرعية فالعمارية فبكباش فشعيب حريملا كلها مناطق جميلة تكسوها الخضرة أيام الربيع أمَّا الآن فإني أضيع في الرياض لانقلاب الحياة فيها وفي سائر المملكة. من المشايخ الذين تعلقت بهم في الرياض واستفدت منهم أولاً كنت أزور الرياض وأنا طالب في المعهد العلمي. وأزور سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي الديار السعودية ورئيس قضاتها بل هو شيخ الجميع وكان له مجلس بعد صلاة المغرب يلتقي فيه بالعلماء وكبار الشخصيات فالشيخ محمد كله هيبة وعظمة ووقار مع تواضع فتحبه من أول مرة وتحترمه فهو يفرض عليك احترامه حيث يذكرك بحال سلف هذه الأمة من إعجابي به فأنا أول من جمع عنه كتاباً مستقلا رحمه الله طبع الأولى على نفقة ابنه الشيخ الجليل الفقيه عبدالعزيز والثانية في دار البشائر الإسلامية في بيروت و الشيخ البوشبيب يحي ليالي الشتاء في الرياض يتنقل من بيت الى بيت ويحل ضيفاً لدى الشيخ العالم الأديب سعد بن عبدالعزيز الرويشد ويتنقل بين بيوت الأكابر والفضلاء ومنهم الشيخ العالم العلامة القرض النحوي الشيخ عبداللطيف بن ابراهيم آل الشيخ شقيق سماحة فقيه المملكة رئيس قضاتها ومثله الأديب الكبير ابو تمام عصره الأستاذ عبدالله بن محمد بن خميس وغيرهم من الفضلاء. وكانت المعيشة في الرياض سهلة ميسرة فكما يقول المصريون كل شيء بتراب الفلوس.
أمَّا الأحساء
فهي مسقط رأسي وقد تغيرت حالها كلياً فقد كانت في السابق محاطة بالنخيل والبساتين وخلف البساتين برك ماء فضل السقي وتسمى الصراة والصري هذه تجمع بين جمال الطبيعة تلطف الجو وكانت مكان تجمع الطيور المهاجرة من سيبيريا في الشتاء وكانت فيها العيون الفوارة التي تجري على وجه الأرض بشكل لا أستطيع وصفه بهر كل من رآه. وقد كان الناس في السابق يتقاسمون لقمة العيش وكان النبق واللوز يوزع مجاناً وأول محصول الثمار النخيل وغيرها يسمى البشرة ويوزع على الجيران ولم يكن أصحاب المروءة والسمت والأجواد يزاحمون في الأسواق وفي الحراج والدلالة بل حتى بيع التمر ويسمى بائعه التمار ولا يخرجون إلى السوق إلاَّ بالبشوت وقد هجا أحد الشعراء قوماً يدخلون السوق بلا بشوت وتنقصهم. ويجرح الرجل في الأحساء بأنه يمشي بلا بشت أمَّا الآن فأصبح العلماء القدوة يمشون بلا بشوت والبشت بلا شك يحد من تحركات لابسه أمَّا الآن فقد اختلط الحابل بالنابل وكما يقال تساوت الروس رحم الله القاضي الجرجاني حين قال:
يقولون لي فيك انقباض وإنما
رأوا رجلاً عن موقف الذل أحجما
أرى الناس من داناهم هان عندهم
ومن أكرمته عزة النفس أكرما
إذا قيل هذا مورد قلت قد أرى
ولكن نفس الحر تحتمل الظما
ولو أنَّ أهل العلم صانوه صانهم
ولو عظموه في النفوس لعظما
الــخ …… كانت البيوت في السابق صغيرة ولكنهم أهل كرم أمًّا الآن فكبرت البيوت وكبرت الأبواب وقل الأجواد.
ورحم الله أبا الطيب:
لو لا المشقة ساد الناس كلهم
الجود يفقر والإقدام قتال
والشاعر الشعبي يقول:
أحسب عمار الدار يا زيد بنيان
أثر عمار الدار يا زيد أهلها
أمَّا الأحساء فهي جميلة وكما قال فيها الشيخ عبدالله بن الشيخ عبداللطيف آل الشيخ مبارك رحمه الله:
إنَّ الحساء عروس وهي عاطلة
فكيف لو قلدت حلياً وعسجداً
الحياة فيها سهلة ميسرة ولا يزال الناس فيها يتواصلون ويتزاورون ويحاولون التغلب على صعوبة الحياة بالرضا والتسليم وشعارهم أنفق ما في الجيب يأتيك ما في الغيب. وكم كنت أتمنى أن تعود إليها المدارس العلمية في الفقه واللغة ولكن انشغال الناس بالفلاحة وعدم قناعتهم بالكفاية رفهم عن العلم والتحقيق حتى من حمل ( د ) اكتفى بها واعتمد عليها. نعم الكتاب هو حياتي وهو ادي وهو رفيقي حين عدم الرفيق وصديقي حين غش الصديق وحبيبي حين انقلب الحبيب مع أن النظر ليس كما كان سابقاً.
تاريخ الأحساء
فإنه تاريخ عريق قديم قدم التاريخ ولكنه شبه مفقود ليس هناك كتب تاريخية تخص الأحساء قديمة بل هناك حلقات منفصلة والذين كتبوا جزاهم الله خيراً كلهم يجتهدون ويحاولون تسلسل التاريخ ولكنهم لا يستطيعون مع أني لا أنكر أن كلا منهم بذل جهده وطاقته. والغالب على تاريخ الأحساء كغيرها من البلدان أنه تاريخ سياسي وليس تاريخاً اجتماعياً فهو يهتم بالدرجة الأولى بالحكام والدول ويقوم على اجتهاد المؤلف و بلا شك تاريخ الأحساء بحاجة إلى توثيق فلا يكفي أن يقول المؤرخ عندنا وثيقة عن كذا فلابد من إبراز الوثيقة وعرضها للتحقق منها وتصور في الكتاب حتى تزداد ثقة الناس بالكتاب.
دور النشر
فهي تقوى ثم تضعف أو تنتقل كما حصل لمكتبة المؤيد،ولمكتبة هوازن وذلك لعدم إقبال الناس على القراءة. لكن ظهرت دار نشر مكتبة التعاون الثقافي لشيخنا الشيخ عبدالله الملا – رحمه الله- ولكنها تقلصت للأسباب التي ذكرت وكذلك مكتبة الفلاح وهي متفرعة عن مكتبة الفلاح في الرياض في حي الظهيرة وانتقل صاحبها محمد بن إبراهيم الطريري رحمه الله إلى الأحساء عام 1380 هـ وبدأ شيئاً فشيئاً ثم تقلصت قبل وفاته – رحمه الله – أمَّا الآن فهناك فروع لمكتبة ابن الجوزي والرشد والعبيكان وجرير فهذه كلها فروع لمكتبات رئيسية في الرياض والدمام.
ففي دار الإفتاء اكتسبت ولله الحمد خبرة وتعرفت على كبار العلماء رحم الله ميتهم وبارك في عمر حيهم استفدت من تجاربهم ومن خبراتهم الشيء الكثير. خلفي ليس بحاجة إلى توصية مني بل لعل عنده من المرونة ما ليس عندي فإني قد أكون معقداً و أفتقد المرونة هكذا قيل عني. وأنا أعترف بأنني لست مرناً. أمَّا المشروع الذي أردت تحقيقه فأقول كما يقول العامة: خلها على طمام المرحوم.
مؤلفاتي
1- حاشية كتاب آداب المشي إلى الصلاة لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب-الناشر مكتبة الرشد بالرياض.
2- حاشية مختصر أبي القاسم الخرقي -الناشر: مكتبة المعارف بالرياض.
3- اللآلئ البهية في كيفية الاستفادة من الكتب الحنبلية- الناشر:مكتبة المعارف بالرياض.
(وقد شرح الكتاب الشيخ بكر أبو زيد بكتابه المدخل المفصل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل الجزء الثاني وذكر هذا في صفحة 611 وهذا تواضع منه سلمه الله وشفاه)
4- إنجاز الوعد بذكر الإضافات والاستدراكات على من كتب عن علماء نجد – الناشر:مكتبة المعارف.
5- فتاوى ومسائل الشيخ سليمان بن علي بن مشرف مفتي نجد جد إمام الدعوة جمع وترتيب- الناشر:مكتبة المعارف بالرياض.
6- تحقيق وتعليق على مسائل أبي بكر غلام الخلال-الناشر:مكتبة المعارف.
7- الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ وأثر مدرسته في النهضة العلمية والأدبية في البلاد السعودية-الناشر:ابن الشيخ محمد بن إبراهيم معالي الشيخ عبدالعزيز رحمه الله.
والطبعة الثانية دار البشائر ببيروت.
8- تحقيق إجابة السائل على أهم المسائل في العقيدة تأليف الشيخ عيسى بن عبدالله العكاس المالكي الأحسائي رحمه الله.
9- تحقيق نظم الجواهر في النواهي والأوامر للشيخ محمد بن سيف بن حمد العتيقي – الناشر دار البشائر ببيروت.
10- تحقيق كتاب فائق الكسا في جواب عالم الحسا للإمام الشوكاني – الناشر: دار عمار بالأردن.
11- حاشية النهج الرشيد على القول السديد – الناشر:مكتبة الرشد بالرياض أما بعض المخطوطات:
– النقول الصريحة في شرح حديث الدين النصيحة وقد نشر في مجلة الجندي المسلم على شكل حلقات.
– درر المعاني في تفسير السبع المثاني.
– حفز الهمة إلى معرفة مناقب الأربعة الأئمة مع ذكر الأصول التي قامت عليها مذاهبهم.
– شرح رسالة ابن تيمية إلى أهل الأحساء.
– تعليق وتحقيق كتاب الطب للإمام ابن مفلح.
– المستدرك في الأنساب (وهو بحاجة إلى مراجعة).
– مختصر كتاب جامع العلم وفضله (ولم يكمل حيث طبع اختصار الإمام الزرقاني رحمه الله. فتوقفت عن إكماله إكتفاء بالزرقاني المالكي رحمه الله(.
– الأجوبة الفقهية الميسرة )بحاجة إلى مراجعة وترتيب( .
ولي مقالات كثيرة تاريخية ودينية واجتماعية وإصلاحية.
ولي موقع على الانترنت عنوانه خادم أهل العلم www.alismaeil.com يديره الابن عبدالرحمن .
توجيهات والدي
مما أوصاني به والدي رحمه الله أن ارتفع بالمركز ولا أجعله يرتفع بي وأوصاني بألاَّ أمد يدي لشبهة وأوصاني بالإيثار ومراعاة أحوال من هم ضعفاء والوقوف معهم ودعمهم حسياً ومعنوياً وألاَّ أستأثر بمركوب أو ملبس وألاَّ أكسر قلوب الفقراء وكلنا فقراء إلى الله. مجالس البلدية أنا بعيد عنها وليس لي احتكاك بها ولكن الذي أعرفه أنَّ بصمات الشيخ إبراهيم العرفج لا تزال في أعماله الجبارة آنذاك مع عدم الميزانية فأنشأ مبنى البلدية ومحل اللحم وسوق الفواكه والخضار وسوق الرطب والسمك …الخ رحمه الله رحمة واسعة وأعرف أنه كان في السابق رجال عرفوا بحرصهم على مصلحة البلاد فيهم أعضاء مجلس وفيهم من ليسوا أعضاء ولكنهم قدموا مصلحة بلادهم على مصالحهم ولكن هناك من استغل عضويته أو وجاهته للإثراء والاستفادة الشخصية ضارباً بمصلحة بلاده عرض الحائط. و مرّ على الناس زمان كما يقول العامة (( شد لي واقطع لك )). ويجب ألاَّ أنسى المحطة الرئيسية وهو الأمير الجليل محمد بن فهد بن جلوي رحمه الله رحمة واسعة الأمير العظيم في أخلاقه في علمه القوي الصارم في حكمه الفقيه الورع عرف بتواضع العظماء فقد كان خلف كل مشروع خيري بقلبه وقالبه. كل يوم يوضع الغداء في المحافظة والباب مفتوح لا يرد أحد أحبه الفقراء وأحبهم.
البوابات
البوابات التي أذكرها (( بوابة حي النعاثل الغربية)) في حي البدع وتسمى دروازة آخر حي النعاثل من الغرب والبوابة الجنوبية ((دروازة القرن))آخر حي النعاثل من الجنوب ودروازة الخميس شمال الهفوف هذه كلها أذكرها وأنا صغير تفتح صباحاً وتغلق ليلاً ويتعبر الذي خارج الدروازة منطقة حرة حيث انك لو اشتريت عنزاً ودخلت بها من باب الخميس فإن الجمارك تأخذ منك ما يسمونه (( الباج )) عدة قروش. وأذكر دروازة العليمي وهي شرق حي الكوت وتقام الحدود بجوارها
وهناك خندق يمتد محيطاً بحي الكوت بقي إلى عهد قريب فاصلاً النعاثل عن الكوت وممن له دور كبير في السعي لإزالة الحواجز خاصة بين الكوت والنعاثل الشيخ الجليل عبدالله بن عبدالرحمن آل ملا رحمه الله والشيخ الجليل عبدالرحمن بن أبي بكر الملا رحمه الله وهناك قصر إبراهيم وفيه ما يسمى القوة هو وقصر خزام جنوبي عين علي أمَّا قصر العبيد فهو يقع شمالي غرب براحة الخيل حديقة الكوت الآن وقد هدم في عهد الملك فيصل رحمه الله وحل مكانه مدرسة بنات. فقد كانت هذه تمثل عظمة الأحساء وعظمة السابقين أمَّا المبرز ففيها قصر صاهود وقصر المحيرس أو برج المحيرس وغيرها الكثير.
الحي الدبلوماسي
أكسبني وأكسب جيلي ومن قبلي وبعدي الانفتاح على الناس ففي الحي عدد ليس بالقليل ممن قدموا من نجد وسكنوا وصارت لهم تجارة حيث استقروا في الأحساء وفيها لهم مكاتب وعن طريق البحرين يتصلون بالعالم الخارجي حيث لهم مكاتب تجارية في الأحساء وفي البحرين ولا يزال الكثير منها ففي الحي آل ملحم وهم الكثرة الكاثرة وبعدهم كثرة آل نعيم في الحي وآل ماجد وفيهم العمودية وبيت النافع وآل غنيم والجميح قبل انتقالهم إل الرياض وآل سيار وآل سليم قبل انتقالهم إلى الرياض وفيه بيت إبراهيم بن سيف الذي حل ضيفاً عنده الأمير عبدالله بن جلوي قبل دخول الملك عبدالعزيز الأحساء وبيت المعمر إبراهيم بن سليم الزامل أمراء عنيزة وأخيه سليم وبيت عبدالرحمن القصيبي أبو الدكتور غازي وعبدالرحمن القصيبي هو الوزير المفوض. وآل قصيبي: وعلى رأسهم الشيخ إبراهيم آل قصيبي الذي كان له دور كبير في دخول الملك عبدالعزيز الأحساء وعرف هذا البيت بالنخوة والنجدة وإغاثة الملهوف مثل سعد بن إبراهيم وعبدالله وعبدالعزيز وحسن وعبدالرحمن أمَّا سعد فإنه أفنى حلاله وأملاكه في الكرم والجود والوقوف مع الفقراء وقد ذهب الجود وأهل الجود ذاك يجمع المال لينفقه أمَّا تجار الطفرة الآن فإنهم يجمعونه للتكاثر والتفاخر إلاَّ ماشاء الله وهم قليل والكرام قليل. و الشيخ سعد بن ابراهيم القصيبي التالي عرف بخفة ظله ولطافته وحركاته المقبولة بل مقاله المحبب الى النفوس واذا وصل الى البلد احد الوجهاء والعلماء فإنه يسارع بارسال سيارته الاولزموبيل الحمراء ومعها السائق سعد البوطلال ويكون تحت الطلب ولخدمة الضيف الزائر ويحضرني هذا الموقف للوجيه سعد القصيبي حيث كانت دعوة العشاء لدى الوجيه الشيخ عبدالله بن شهيل في عين ام سبعة وكان الزوار عشرة علماء وأظنه في عام 1382هـ وكنت مع والدي رحمه الله والشيخ عبدالله بن دهيش رحمه الله ورجل ثالث وكان سعد القصيبي معنا في السيارة فلما أقبلنا على عين منصور قرب خزان الماء شمالي المبرز وملنا يميناً وكان الطريق مبتلاً وطينياً فإذا بالشيخ سعد يقول لسعيد : شب عليه شب عليه وما كان من سعيد إل أن طار بنا بين السماء والأرض فصاح احد المشايخ خاف الله يا سعد فينا خاف الله ياسعد فينا ولكن سعد الرجل المرح اكد على السائق ثانية قائلاً شب عليه شب عليه فلما وصلنا عين ام سبعة وإذا بخور العود الهندي الأصلي يغطي الجو بسحابة كثيفة وإذا بوجوه الأحساء وأعيانها حضروا ومعهم من علماء الأحساء الشيخ محمد آل عبدالقادر قاضي المبرز آنذاك رحمه الله ثم بدأ الشيخ عبدالله بن فهد البو شبيب يتلو القرآن وخيم الخشوع فكأن على الرؤوس الطير ثم أخذ ينشد بانت سعاد ومرثية العلم ولامية العجم ألخ والشافعي والأحساء المميز تدار كؤوسه على الجالسين من أباريق تسمى خد المنديل وصناعة الشاي في الأحساء شبيهة بأهل الزبير وأهل عنيزة فتجد فيه طعم الشاهي ولونه الأحمر لكنه ليس مراً ولا اسود ولا هو مثل شاي عصرنا الآن فشاهي هذه الأيام كانه غسالة لحم فهو يميل الى الصفرة وليس له مذاق بل هو ماء وسكر ثم بعد اللبن والشاهي تقدم المفاطيح التي اعدت بطريقة فنية على ايدي طهاة وطباخين فنيين توارثوا هذه الصنعة وهذه حالتنا في ضيف من الضيوف كل يوم وكل ليلة حتى يغادر الضيوف0 وآل بسام وعلي بن رشيد وآل سويلم أهل الرياض سابقاً وآل سلطان من كبار تجاز الأغذية وقريباً منهم شرقاً بيت آل عمران أهل الرياض وبيت سليمان التخيفي وبيت إبراهيم آل مهنا وبيوت آل دهيش أهل مرات سابقاً وبيوت آل بونهية أهل الدرعية سابقاً وعمر بن ناصر الفوزان وبيوت آل حسين أهل الرياض سابقاً ويلتقون مع آل سعود في جد واحد. والشعيبي والعجاجي وغيرهم كثير لا أحصيهم أقول: هذا الحي الدبلوماسي فما يمر يوم وإلاَّ ونرى سيارة كدلك أو هزموبيل ونحن أطفال ضيوفا يحلون بالأحساء فيدعون عند هذا وذاك ولهذا فإن غالب الذين تسنموا وظائف عليا هم من هذا الحي وهم من أقراني ونفرح إذا حل في البلاد أحد الكبراء وخاصة العلماء حيث يدعوه أهل الأحساء بشقيه الهفوف والمبرز وفي المبرز يتصدر الداعين عبدالله بن شهيل رحمه الله صاحب عين أم سبعة ومحمد بن أحمد الموسى وآل جبر وآل عفالق و الصويغ ويتصدر الجميع الشيخ محمد بن عبدالله آل عبدالقادر قاضي المبرز رحمه الله وغيرهم كثير لا أستحضرهم الآن وأذكر أنَّ الشيخ عبدالله بن عمر بن دهيش رحمه الله قام بدعوة للشيخ عبداللطيف بن إبراهيم آل الشيخ أخو سماحة المفتي محمد بن إبراهيم آل الشيخ والشيخ عبداللطيف كان الرئيس العام للكليات والمعاهد العلمية رحمه الله عام 1382 هـ ومعه عدد من العلماء. وكانت المجالس تزين بالشيخ الأديب عبدالله بن فهد أبوشبيب رحمه الله فهو إمام مسجد السدرة في وسط الحي المذكور مقابل بيت آل غنيم من الجنوب وقد أكل الشارع المسجد من الشرق ومن الشمال والشيخ رحمه الله عرف بأنه صناجة الجزيرة العربية إذا رتل القرآن أو إذا تغنى بالشعر الجميل مثل لامية ابن الوردي أو لامية العرب أو لامية العجم أو بانت سعاد أو لامية السمؤال حتى البهائم تقف مصغية له وكأن على روؤس الجالسين الطير وبحضور قمر الزمان الشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ مبارك أقول أياما وليالي لا تنسى. وفي غربي حي النعاثل يسكن العالم العلامة الفقيه الزاهد الشيخ محمد بن عبدالمحسن الخيال رحمه الله والذي رجع آخر حياته ومات في الرياض والشيخ القوي الذكي اليقظ النزيه الخطيب الشيخ صالح بن علي بن غصون فقد جاء لقضاء الأحساء عام 1381 هـ رحمه الله وفي الحي عندنا الشيخ حسن الوهيبي جده خال الملك فيصل رحمهم الله.
عرف الأحسائيين
بعاطفتهم وحبهم اللقاء اليومي والأسبوعي ولكن بعد الطفرة التجارية وتباعد الناس في أحياء متناثرة كأنهم أحسوا بأنهم بحاجة إلى رابط يجمعهم ففكروا في إنشاء المجالس فهي لجمع الأسرة ولم شملها لا للتفاخر و السمعة ومجلسنا واحد منها.الوفود في السابق كانت تفد إلى الرياض وكانت مطالبهم هي مطالبهم الآن فتح الشوارع والمدارس ودعم الزراعة إلى ما هنالك.
أم المشاكل
فالأحساء مشهورة بقدمها وكثر أوقافها والإدارة تسير حثيثاً ولكن اتساع الشق على الراقع فإمكانيات الإدارة ليست على مستوى الأحساء ولا على مستوى قرية من قرى الأحساء ولكن عزيمة الشباب وفقهم الله وقاعدة ما لا يدرك كله لا يترك كله والشباب في قسم الأوقاف الاستثمار يعملون ليل نهار على قدم وساق وعلى رأسهم الأخ يوسف بن عبدالله الثاني وفقه الله وفضيلة مدير الإدارة الشيخ أحمد آل هاشم وفقه الله. مساجد الأحساء أكثر من ألف مسجد.
اختلاف مواعيد الصلاة
لا شك أن الصلاة أفضل في أول وقتها ولكن إذا اتفق الجماعة مع الإمام على تأخيرها أو تقديمها فهذا شأنهم مالم يختلفوا فإذا اختلفوا فإنهم يلزمون بتوقيت الأوقاف أمَّا الصلاة فلها وقت حدده الشرع وليس لمثلي أن يقول فيه شيئا وهذا متروك لهيئة كبار العلماء وفقهم الله.
طرائف
من الاشياء الطريفة أنَّ القاضي في الأحساء إذا أراد الإعلان عن عقار لتسجيله فإنَّ في الأحساء رجلاً مكفوف البصر اسمه عبدالمحسن النويحل يدخل السوق ويقف قرب البلدية وعند القيصرية وعند دروازة العليمي وعند باب الخميس ليعلن فهو الذي يقرأ الإعلان بصوت مرتفع ومن الطريف في الأحساء أنَّ في كل حي فرقة تسمى أبو طبيلة يوقظ الناس لطبخ السحور سابقاً وكنا نترقب مروره.
القريقعان
ما يسمى بالقرقيعان وهذا سألت والدي رحمه الله قال كانوا في السابق يرغبون الطفل في الصيام ويقولون إذا صمت نصف الشهر أعطيناك ما يسمى بالحب وهو عبارة عن خلطة من المكسرات والحمص وحب القرع فإذا كان اليوم الرابع عشر زينوا الأطفال وطافوا في السكك و الشوارع ثم يقولون لهم أكملوا الشهر ونعطيكم العيدية هذا هو أصل القرقيعان وليس كما يشاع أنه دخل مع الانجليز إلى الخليج فما هي علاقة الانجليز برمضان أمَّا كون الناس غيروا وبدلوا وزادوا نقصوا فهذا شيء آخر ولا قال أحد بأنه مستحب أو سنة حتى يقول قائل بأنه بدعة فلنتق الله في إطلاق الأحكام على المسلمين والحكم على الشيء فرع من تصوره حتى في الرياض يتجول الأطفال في الشوارع قبل العيد لأخذ العيدية بأيام فما أنكره أحد.
من الطريف في الأحساء
ما يسمى بيوم القرش وهو آخر يوم في شعبان حيث يتوسع الناس في الأكل فيه كل على حسبه وليس كما ذكر الأستاذ عبدالله الشايب ونقله عنه الأستاذ خالد الغريب في كتابه الأحساء عبر أطوار التاريخ حيث ذكر أن الناس يأكلون يوم القرش الأرز بالبيض. أقول: كل بحسبه الفقير يأكل بالبيض والمتوسط بأكل الربيان أو الدجاج أو اللحم ولكن الفقير له نصيبه هو والمؤذن.
وكانت الأحساء قبل الكهرباء تعيش على السرج الاتريك هذا يوقد في رمضان وفي المناسبات ولذا تجد في كتب الوعظ في رمضان يقول المؤلفون دخل رمضان واشعلت المصابيح، وبدأت صلاة التراويح، وفي وداع رمضان يقولون انتهت التراويح واطفئت المصابيح. وبيوت الفقراء عندهم ما يسمى الدنان وهذا يصنع محلياً ويوقد بغاز الكروسين السائل وهناك غاز يأتي نادراً من عبَّادان في إيران وأظنها الأهواز أو قرية من الأهواز فيقول الناس غاز عبادان ما فيه دخان ولما دخل الكهرباء بيتنا سهرنا إلى الصبح لم ننم. وكان السراج يعلق على وتد من خشب في الجدار أمَّا إذا كنا نحل الواجب فإنه يوضع في الأرض ونتحلق عليه لحل الواجب أمَّا خروجنا ليلاً فلابد لكل شخص مصباح بالبطارية ويسمى بجلي. في شهر رمضان يشترك الأغنياء والفقراء في شراء الخبز الأحسائي الأحمر وشراء ثمر الأترج أو الترنج والأترج باللغة العربية الترنج بالعامية وكذلك الفجل ويسمى في الأحساء والخليج الرويد وكل بحسبه الكل يشتريه وكذلك الزلابية أو المشبك.
إنها ليس فيها فقير مثل وقتنا الآن فهناك متوسطو الحال وهناك فقراء ولكن عندهم كفايتهم والناس يعطفون عليهم وكانت البيوت تنتج وتتعاطى البيع والشراء ففي كل بيت بقرة وبعض الماعز وعدد ليس بالقليل من الدجاج والحمام والأرانب. والمرأة في البيت تعمل في خياطة الفساتين والبخانق والسراويل والزخرفة. وهناك ما يسمى بالجصة خزانة مبنية من الجص لها باب جميل مليئة بكمية من التمر الخلاص والارزيز والشيشي بالأمنان والمن أربع مراحل والمرحلة زنبيل كبير من السعف يسع 62 كيلو. وهناك لكل أسرة بعض النساء من اللاتي يأتين إلى البيوت للخدمة في الأسبوع مرتين فيأخذن الفائض من إنتاج البيت من تمر وبيض وسمن بقر و فساتين ودجاج وأرانب وطواقي وغتر تبيعه هذه المرأة وتشتري حاجات أهل البيت من لحم وخضار وتعود إليهم ببقية النقود فالناس يعيشون في عز. والبيت فيه كل متطلبات الحياة ففيه الحطب من النخل بخلاف الآن ولما كنت طالباً كنت أربي الماعز وأبيع فيها. ومن الطريف أن الناس ينظرون الى الطويل بأنه كبير في سنه ولو كان صغيراً ولهذا فقد كنت اعاني من عقدة عند العامة فدائماً يقولون فلان شطولة ولا نجح وفلان شوفوا شطوله ولا زال يدرس اضف الى هذا كوني البس البشت .
الكتاب:
نعم الكتاب هو صديقي حين عز الصديق وهو رفيقي حين لم أجد رفيقاً يحفظ سري وأثق فيه فهو هوائي ومتنفسي بل هو الرئتان لي تعلقته منذ الصغر وعندي كتاب وأنا في الصف الثاني الابتدائي وعملت عليه حاشية منذ سنوات وطبع الناشر مكتبة الرشد الكتاب القول السديد فيما يجب لله على العبيد للشيخ العلامة محمد بن مانع رحمه الله وإن كان العمل الإداري صرفني عن القراءة وضعف النظر كذلك مما قلل القراءة بخلاف عهد الشباب وعندي مكتبة تجمع الكم والكيف هي كل ما أملك في هذه الدنيا. أمَّا الطباعة فأقدم المطابع هي مطابع الرياض ثم دار الأصفهاني في جدة. أمَّا دور النشر في مكة المكرمة فيها مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة للشيخ عبدالشكور فدا رحمه الله فهي قديمة جداً والمؤيد الحسني في الطائف.
ومكتبة نجد ومكتبة التعاون الثقافي في الأحساء أمَّا الآن فمكتبة الرشد في الرياض وفروعها وقبلها مكتبة الحرمين. وكان في الرياض سوق للكتب القديمة والمخطوطة شمالي جامع الإمام تركي في الرياض وفيها سوق وفيها شريطية كتب منهم محمد الفواز ومنصور النجعي وعبدالله الهويش وكنت أحد رواد هذا السوق وعبدالله السلطان من أهل شقراء رحمه الله وغيرهم من نسيتهم. وكان للسوق شيخ يحكم ويرجع إليه وهو الشيخ محمد العمري رحمه الله.
قريباً إن شاء الله سيتم إضافتها للموقع ويمكن الإطلاع عليها من خلال موقع الجريدة
http://www.alyaum.com/issue/article.php?IN=12677&I=564645&G=1