من مذكراتي
الملك فيصل رحمه الله
جسم نحيف وهمة عالية وعقلية ترجح على الجبال الرواسي زار الأحساء بعد توليه الحكم بلا موكب ولا مبالغات كنا في الابتدائية نسمع عنه وفوجئنا به وهو يزور مسجد جده الإمام فيصل بن تركي في حينا حي النعاثل رأيناه وهو يمشي على قدميه قامة ممشوقة تعلوه هيبة ووقار بعقاله المسمى مقصب وقد ميله قليلا إلى الخلف وكان بصحبته إمام وخطيب الجامع سحبان وائل الشيخ عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ مبارك فكان يؤشر بيده والناس يسلمون عليه وكلهم ثقة في هذا الرجل النحيف الذي أبقى له بصمات في الداخل والخارج , عم الرخاء في عهده البلاد والعباد وعم الرخص في كل شيء عاش بعيداً عن البذخ و الإسراف بل رشد المجتمع بقوله وعمله فقد كان عملياً ينتقي مستشاريه وبطانته من الداخل ومن الخارج في وقته وجد طبقة الأغنياء وكذالك وجد الطبقة الوسطى وهم الأكثرية طرح الله البركة في رزق الناس أعلى راتب يأخذه القاضي وخريج كلية الشريعة فهو قريب من ألف ريـال وكنا طلاباً في المعهد العلمي ويصرف لنا مكافأة شهرية مقدارها مئتا ريـال وثمانية ريالات فكانت تكفينا و زيادة فبعض الطلاب تزوج منها وبعضهم اشترى له أرضاً أما أنا فقد كنت في دور تكوين مكتبة وكنت أصرف قسماً منها لشراء الكتب ثم ذهبنا إلى كلية الشريعة في الرياض وكان مقدار المكافأة ثلاثمائة ريـال وثمانية عشر ريالاً وكنا نسكن كل ستة طلاب في منزل مريح في حي محترم مثل حي جبره وكان مقدار الأجرة ألفي ريـال فقط نأكل ونشرب ونلبس ونوفر من تلك المكافأة لحم الخروف النجدي رخيص جداً والفواكه والخضروات رخيصة جدا وكنا نتابع بشغف أخبار الملك فيصل رحمه الله وماذا يأكل وماذا يلبس فعرفنا عنه أنه كان متقشفاً زاهداً قوي الشخصية صلب القناة لا أحد يثنيه إذا هم بشيء ولا يهم إلا بعد دراسة وتمحيص ومشاورة واستشارة. صمم أن يعيد للمسلمين عزتهم وكرامتهم فأنشأ رابطة العالم الإسلامي ودعا إلى التضامن فلقي إجابة من المسلمين ولقي إحتراماً وهيبة من الدول التي تسمى الكبرى وقف مع المسلمين ووقف مع المستضعفين من غيرهم وكان لخطبه تأثير على السامعين فهو يخطب ارتجالاً نصف ساعة و ساعة فلا يتعب ولا يمل سامعه فهو لا يكرر الكلام قرَّب العلماء الناصحين حتى بلغ من حب الناس له أن أثروا التسمي باسمه تميز بمصداقية عز لها النظير وتغنى به الشعراء لا يمكن يأتي له ذكر في أي بلاد من بلاد المسلمين إلا قالوا رحم الله الملك فيصل فهو رجل المواقف ولا أنسى حين أستشهد رحمه الله وقد تمنى الشهادة عدة مرات بكاه الرجال والنساء وبكيناه و أظلمت البلاد بفقده وكلما ألمت ملمة قالوا رحم الله الملك فيصل رحمه الله رحمة والداعي لكتابتي هذه أنني كلما دخلت على النت و أخذت أبحث فيه وقعت على الملك فيصل وهو يخطب فكنت أتذكر أيامه الجميلة لأن الإنسان إذا كبر سنة يتذكر أيامه الخالية أيام صغره ومراهقته هذا والله من وراء القصد
بقلم خادم أهل العلم
محمد بن عبدالرحمن بن حسين آل إسماعيل
* جريدة الجزيرة الثلاثاء 15 محرم 1435 العدد 15027
Tuesday 19/11/2013 Issue 15027
http://www.al-jazirah.com/2013/20131119/rj2.htm