المذاهب الفقهية في الأحساء


المذاهب الفقهية في الأحساء


المذاهب الفقهية في الأحساء
أو الفقه في الأحساء
 

إذا تحدثت عن المذاهب الفقهية في الأحساء فأعني بها المذاهب الأربعة المالكية والحنفية والشافعية والحنابلة وهذه هي مذاهب أهل السنة المعتمدة والمعول عليها وهي مستخلصة ومستنبطة من الكتاب والسنة والمذاهب فيما لا نص فيه ولا إجماع ومعنى لا نص فيه يعني ليس فيه دليل من القرآن الكريم أو ليس فيه دليل صحيح صريح من السنة المطهرة ولا إجماع فإنَّ الإجماع حجة فهم يتفقون على ذلك ومن خالف جهلاً أو قصوراً يرد عليه ويغلط وحاشاهم ثم حاشاهم أن يتعمد أحدهم خلاف النص أو الإجماع.

أمَّا ما لا نص فيه ولا إجماع فيأتي الاجتهاد على تفصيل يعرفه المتخصصون وليس هذا مكانه والحق لا يخرج عن الأئمة الأربعة فيكمل بعضهم بعضاً باتفاق المحققين واختلافهم من حيث القواعد التي قعدوها واختلفوا في قبولها وردها واختلفوا في فهمها وشرحها وهذه سنة الله في خلقه تختلف الفهوم لاختلاف المدارك وتفاوتها على تفصيل كذلك في مواطن لمن أراده من المتخصصين.

ففي الأحساء الحنفية ولهم امتداد من أيام الحكم العباسي ولوجود مراسلات تثبت ذلك وقد أشرت إلى ذلك في كتابي إنجاز الوعد،واعتمد الدكتور عبدالإله بن محمد الملا حيث استنبط أن المذهب الحنفي هو أقدم المذاهب في الأحساء ولكن المتابع لذلك لا يرى في الأحساء وجوداً للحنفية إلاَّ بدخول العثمانيين الأحساء فدخل هذا المذهب مع أسرة آل ملاء مع أن المستغرب جداً أن هذا المذهب لم ينتشر في الأحساء بل انحصر في هذه الأسرة الكريمة مع أن الخلافة العثمانية استمرت حوالي أربعمائة سنة بين جزر ومد ولكنه انحصر في أسرة آل ملاء مع أنه مذهب فيه كل مقومات النمو والتفاعل مع المستجدات وهو استنباط خمسة ليس واحداً بل قام على المشاورة والمحاورة بين الإمام الأعظم أبي حنيفة وتلاميذه الأربعة،أمَّا المذهب الثاني فهو مذهب الإمام مالك رضي الله عنه وهو قديم في الأحساء ويكفي أن الدولة الجبرية مذهبها مالكي وكذلك بنو خالد مالكية حكام الأحساء والخليج سابقاً فأجود بن زامل الجبري حاكم نجد و الأحساء أو نجد والبحرين فقيه مالكي محدث ولكن الدكتور عبدالحميد بن الشيخ مبارك يرى أنَّ مذهب المالكية هو الأقدم في الأحساء ودافع وبرر ذلك في مقدمة دراسته لكتاب جده الشيخ مبارك رحمه الله التسهيل.

وهذا المذهب انتشر في الأحساء والخليج ولقي قبولاً وكثرت الأسر العلمية المالكية فآل غنام وآل كثير وآل موسى وآل مبارك وآل عكاس سكان النعاثل وآل مشرف بل خرج أفراد من فحول العلماء المالكية ثم الشيخ عيسى بن مطلق في المبرز في المتقدمين والشيخ عبدالعزيز العلجي في الهفوف في المتأخرين وانتشر في البحرين والكويت وفي الإمارات وعمان انطلاقاً من الأحساء بل وأصبح العامة في قرى الأحساء الكثيرة يتعبدون الله على هذا المذهب وغالب أهل المبرز وأهل النعاثل وأهل الرفعة يرجعون إلى علماء المالكية في الفقه والفلاحون كلهم مالكية.

وسوف أعود إلى المالكية حين أتحدث عن الحنابلة.

ويأتي المذهب الشافعي وهو قديم في الأحساء ولعله مع دخول آل جعفري الأحساء وآل عبدالقادر لكنه لم ينتشر في الأحساء بل محصور في الأسر العلمية مع أنَّ المحققين منهم توفوا رحمهم الله فآل عبدالقادر في المبرز وآل جعفري في الكوت وآل عبداللطيف وآل عثمان وخرج فيهم محققون وآل عمير في الكوت و النعاثل وإن كان ميلهم إلى النحو لكن خرج فيهم علماء وخرج في آل عرفج علماء وآل خليفة وآل نعيم في حي النعاثل وآل دوغان خرج فيهم علماء رحمهم الله ولكن الذي استغربه أنَّ هذا المذهب لم يخرج عن هذه الأسر فهم يتوارثونه قوة وضعفاً فهو منحصر في هذه الأسر العلمية إذاً نستطيع أن نقول بأنَّ هذا المذهب لم ينتشر في الأحساء مع أنه خرج فيه قضاة.

أمَّا المذهب الحنبلي فهو قديم في الأحساء وأعظم شاهد أنهم يرجعون في مسائلهم الشائكة إلى الإمام شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية فبالرجوع إلى الجزء الرابع والعشرين ص 163 ، 164 في أول باب الجمعة فقد أرسلوا إليه سؤالاً عن حكم إقامة الجمعة في بيوت اللبن والجذوع وأجابهم بإقامة صلاة الجمعة عندهم في جواثى وأثنى عليهم ثناء عظيماً وقد كتبت عن ذلك في جريدة الجزيرة عدد 12936 وتاريخ 21/2/1429هـ وهذا يدل على أن فيهم فقهاء وأنَّ عندهم همة حيث يستفتون ابن تيمية أمَّا الأسر التي تنتمي إلى هذا المذهب فهم آل عفالق حتى أن الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن عفالق بدأ بشرح غاية المنتهى وخرج عدد من العفالق وآل فيروز فقهاء محققون في هذا المذهب بل انتهت إليهم مشيخة المذهب في الأحساء والخليج ونجد ولأنَّ الدولة أعزها الله اعتمدت مذهب الإمام أحمد رحمه الله في المحاكم وهذا أمر طبيعي ففي عهد العثمانيين القضاة حنفيون وفي عهد بني خالد القضاة مالكية أمّا في العهد السعودي فالمطبق مذهب الإمام أحمد ولكن القضاة من كل المذاهب ففيهم مالكية وشافعية والتعليم في المدارس والجامعات على مذهب الإمام أحمد فانتشر مذهب أحمد من جديد وزاد انتشاره ولذا فإنَّ خريجي المعاهد والكليات الشرعية الغالب عليهم أنهم حنابلة إلاَّ الذين ينتمون إلى أسر علمية شافعية أو مالكية أو حنفية فإنهم وإن درسوا مذهب الإمام أحمد وإن أخذوا الدكتوراه والماجستير وإن كانوا يُدرِّسون مذهب أحمد إلاَّ أنهم ينتمون إلى مذاهب أسرهم مع أن دراستهم الطويلة في مذهب أحمد ولكنهم يتمسكون بالاسم فمن جده مالكي فهو مالكي ومن جده شافعي فهو شافعي بل بعض الأسر ليس فيها أحد من طلبة العلم الآن مع أنَّ فيهم كبار سن.

أمَّا سبب انتشار مذهب مالك وبعده أحمد في الانتشار مع أن مذهب مالك وأحمد لم يخرجا من بلاد العرب بين العامة والخاصة خاصة في النعاثل والرفعة وفي المبرز وفي القرى بل حصل شبه تداخل واندماج بين المذهبين حتى إنك لا تميز المالكي من الحنبلي وهذا راجع إلى أن مذهب أحمد استفاد الكثير من مذهب مالك بل ويتفق معه في قواعد وأصول قام عليها المذهبان

1- فمالك يرى سد الذرائع وأحمد يقول بها.

2- عند مالك الأصل في الأشياء الإباحة وكذلك أحمد.

3- الأصل في الأعيان الانتفاع وكذلك أحمد.

4- القول بالمصالح المرسلة وكذلك أحمد.

5- طهارة روث وبول ما يؤكل لحمه وكذلك أحمد.

6- الأصل في العقود الإباحة إلاَّ ما حرم بنص وكذلك مذهب أحمد.

ولهذا لما سئل أحمد أحد تلامذته من نسأل في النوازل قال اسألوا أصحاب مالك وتجد في المتأخرين من يفتي على المذهبين مالك وأحمد فآل عفالق حنابلة ثم تحولوا مالكية وآل موسى مالكية وحنابلة والجامع حنابلة تحولوا مالكية وآل غنام يفتون على المذهبين وآل مشرف مالكية ويفتون بمذهب أحمد والشيخ عيسى بن عكاس المالكي يفتي على المذهبين بل كان الشيخ محمد بن إبراهيم آل مبارك يجيب على المذهبين. ولسماحته في الطهارة حتى تمنى الإمام الغزالي في الإحياء أن الشافعي حذا حذوه في الطهارة وكذلك عقود البيع والمعاملات كلها مباحة إلاَّ ما جاء بنص صحيح صريح بتحريمه وأظن كذلك أنَّ مذهب مالك في الكفاءة في النكاح أنها الدين لا غير.

وفي الأحساء الآن بعض الدروس في المساجد والبيوت والقائمون عليها جزاهم الله خيراً يقومون بتدريس الفقه وبالنسبة إلى الانتساب فمن كان أبو جده شافعياً أو مالكياً أو حنفياً فهو كذلك ولو كان جده أمياً وأبوه أمياً هذا شيء لازم حتى ولو انتصب ليدرس مذهب أحمد لكنه يحوم حول الحمى ولا يعرف مصطلحات الحنابلة إنما تدريس كما يقولون حسب البركة.

والساحة تعج بحلقات وبمدرسين نظاميين وغير نظاميين ينتمون إلى مذهب الإمام أحمد ولكنهم لا يعتمدون تأصيل المسائل فخرج شباب حنابلة يدعون الاجتهاد.

وكم كنت أتمنى أن يعود نشاط المذاهب الأربعة من جديد لإحياء فقه السلف الفقه النقي المؤصل فالوسائل متوفرة ولا عذر لأحد فكم تمنيت أن يخرج المذهب الشافعي عن دائرة الأسر العلمية إلى دائرة أرحب وكم كنت أتمنى أن ينتشر مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان هذا المذهب الذي فيه كل مقومات النمو ولكنه مع الأسف منحصر منذ خمسمائة سنة في آل ملا.

أمَّا مذهب الإمام مالك فإني أرجو من المنتسبين إليه الجدية ونشره وتأصيله كما كان المتقدمون وكما عند الشناقطة أمَّا الحنابلة فإني أرجو منهم أن يتركوا بُنيات الطريق وأن يأخذوا بتأصيل المذهب وأن يبدأوا كما بدأ غيرهم وألاَّ يبدأوا مما انتهى منه غيرهم فليأخذوا الدرج عتبة عتبة ولا يجول في خاطرهم دعوى الاجتهاد أو الأخذ بالدليل فإنَّ هذا المذهب والله لمبني على الدليل والحكم على الشيء فرع عن تصوره فعليهم بمطالعة كشاف القناع وأدلته وعليهم بمطالعة القواعد النورانية لشيخ الإسلام ابن تيمية ثم بعدها إذا تحققوا ليقولوا ماشاؤا أن يقولوا فمن الظلم الحكم على هذا المذهب والتجني عليه قبل الإطلاع على كتبه. هذا والله من وراء القصد.

 
كتبه خادم أهل العلم

 محمد بن عبدالرحمن بن حسين آل إسماعيل