الأحساء بلد العلم والعلماء


الأحساء بلد العلم والعلماء


الأحساء بلد العلم والعلماء
 
نعم الأحساء بلد العلم والعلماء والتأصيل العلمي بلد المذاهب الأربعة المالكية والحنفية والشافعية والحنابلة وهي مذاهب يكمل بعضها بعضاً وليس بينها تضاد وهي تمثل مذاهب السلف واستنباطات واجتهادات الصحابة والتابعين فمن بعدهم فليس مذهب السلف محصوراً في مذهب أو مذهبين بل إذا راجعنا كتاب المغني لابن قدامه ولو راجعنا المجموع للنووي لرأينا كل مسألة فيها قول وقولان وثلاثة و أكثر ويظهر جلياً منهجياً في كتب المذاهب الأربعة إذاً في هذا إحياء لفقه السلف الصالح لأصحاب الملكات الفقهية وقد تميزت الأحساء عن غيرها بتدريس الفقه على المذاهب الأربعة مع أُلفة وانسجام تام وكما قلت مناهج تكاملية لا تضادية بل إنهم إذا ضاقت عليهم المسألة في مذهب فإنهم يفتون بالعمل بمذهب الغير ويسمونه تقليداً وكانت الأحساء مرجعية موثوقة لدى كافة أهل الخليج والحجاز ونجد بل انظر في كتاب الفواكه العديده في المسائل المفيدة للشيخ أحمد بن إبراهيم المنقور التميمي النجدي السديري المتوفي عام 1125هـ ويقع في مجلدين وهو مطبوع على نفقة الشيخ علي بن ثاني رحمه الله فإنَّ المؤلف يذكر منزلة علماء الأحساء ومدارسهم بما يكفي ويشفي وحاز الدارسون في الأحساء على ثقة الناس في مشارق الأرض ومغاربها وذلك من أجل التأصيل المذهبي والتعليم المنهجي بعيداً عن الفوضى في الفتوى التي ربما لا تخلو من الهوى فهناك منهاج ألتزم به لي ولغيري لا يمكن أن أخرج عنه إلا بحجة بينة بأهلية واقتدار توثيق أهل التوثيق ممن عرفوا بالعلم والعمل والنزاهة و الورع وليس الباب متروكاً لكل من هب ودب وكما قال عمر رضي الله عنه: إنَّ هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم.
واللقمة الحلال هي أس ذلك كله فقد سأل الإمام أحمد رحمه الله عن قوله تعالى ((ألا بذكر الله تطمئن القلوب فلم يجب أحد فأجابهم بأنه لا تطمئن إلا قلوب من لقمتهم حلال ))
أقول قامت في الأحساء مدارس تكاملية تسودها الألفة والمحبة والانسجام يأخذ بعضهم من بعض فتجد العلماء يتجهون على اختلاف مذاهبهم إلى أخذ الحديث على يد آل عبداللطيف الشافعية لعناية هذه الأسرة بالحديث وعلومه فيأخذون من سمته و أخلاقه و ماعنده من فوائد.
ويأخذون كذلك عن الشيخ عيسى بن مطلق المالكي المحدث يأخذون عنه الحديث وعلومه و يأخذون النحو واللغة لتمكنه ويأخذ عنه المالكيه فقههم.
والجميع يأخذون عن آل عمير الشافعية جميع الفنون مع التركيز على السمت الحسن ويتجه الجميع إلى أسرة آل ملاء الحنفية فيأخذون عنهم علم السلوك والتجرد ويتجهون كذلك إلى آل فيروز ولآل عفالق الحنابلة ويأخذون عنهم الحديث والفقه والمتأخرون على اختلاف مذاهبهم يتجهون إلى حلقات الشيخ عبدالعزيز العلجي المالكي وهذا تميز بعلم السلوك وعلم اللغة والصرف وهكذا تجد أنَّ طالب العلم الأحسائي سواء كان مالكياً أو حنفياً أو شافعياً أو حنبلياً تجده لابد أن يمر تلقائياً على حلقات العلم في كل مذهب أما آل فيروز الحنابلة فإنهم أخذ عنهم جُل طلبة العلم في الأحساء فهذه بلا شك ميزة في علماء الأحساء وفي مدارس الأحساء ولهذا فإنك لن تجد منتسباً إلى العلم يُنكر مختلفاً فيه لأنه يعلم أنَّ هذا مذهب الإمام فلان وفلان مذهبه في المسألة يعود إلى التابعي فلان وهو اإلى الصحابي الجليل وهو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إلى اجتهاد الصحابي رضي الله عنه أو إلى استنباط التابعي وهذا كله فقه سلفي مؤصل فهم لا يفتون ولا يتعجلون في الفتوى لأنَّ قاعدتهم هي قاعدة السلف وهي هل لك سلف فيما قلته أو تقوله. بل عندهم ورع ليس له نظير كما قال الإمام أحمد رحمه الله حين قال عمن تقدم أن اختيارهم لنا خير من اختيارنا لأنفسنا.
هذه المدارس لها أوقافها التي أوقفها أهل الخير في الداخل والخارج من أهل مسقط ودبي و أبوظبي و الزبارة وقطر والبحرين فقد أوقفوا على تلك المدارس ونصبوا عليها نظاراً فهناك مدارس للمالكية وللحنفية وللشافعية وللحنابلة ولا تزال ولله الحمد تؤدي رسالتها بإتقان وعليها نظارٍ أمناء والموقفون لا ينسون في وصاياهم قوله تعالى: ((فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه)) فلو تنقلت في زيارة أسبوعية بين علماء هذه المذاهب لصار عندك إلمام بفقه الخلاف وكأنك قرأت كتاب المغني لابن قدامة بل أحسن و أوضح لأنه فقه عملي يومي مشاهد فأصغر طالب علم في الأحساء إذا دخل أحد المساجد أو زار أحد العلماء فإنه من حال الجالسين أو المصلين أو المتحدثين يعرفُ بأن هذا شافعي وهذا مالكي وهذا حنفي وهذا حنبلي وتجد انسجاماً واتحاداً فلا تجد تناقضاً عند المنتسبين إلى هذه المذاهب وكلهم يفتون على القول الراجح في المذهب سواء في الأحساء أو في غيرها مع احترام متبادل وإن كنت أخشى أو أخاف فإنما أخشى على المنتسبين إلى مذهب الإمام أحمد رحمه الله فإن كثيراً من المنتسبين في هذه الأيام تجد في المدرسة أو في الجامعة أو في الكلية أربعة أو أكثر ممن يقولون بأنهم حنابلة تجد لكل واحد قولاً واجتهاداً وإنما هم في الحقيقة قطعوا صلتهم بمذهب الإمام المنهجي و أصبحوا يقلدون المعاصرين الذين يرون أنهم مجتهدون والمصطلح الفقهي أن الفتوى في المذهب هو ماعليه التنقيح مختصر الانصاف و الاقناع والمنتهى والزاد ولكنك إذا رأيت الواقع رأيت خلاف ذلك فهناك من يدرس الكتب المذكورة ولكنه يجتهد ويقدم رأيه على هؤلاء و يا ليته يقول بأنَّ هذا هو المذهب و أنا أميل إلى هذا القول لحاجة الناس إليه لا و إنما يقول ما أقوله هو الصحيح و هو الراجح وهذا المنهج هو السائد عند الحنابلة المعاصرين إلاَّ ما شاء الله وهم قلة ويعيشون في عزلة وسمعتهم مشوهة بأنهم مقلدون جُهال لا يفتون بالدليل نسأل الله أن يحق الحق إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وتميز علماء الأحساء بالسماحة والتواضع والحياء والكرم وعدم التعجل في الحكم على الناس بل يحسنون الظن ولا يتدخلون في النيات ولا يكفرون ولا يبدعون في المسائل المختلف فيها ويفهمون نصوص الوعيد كما فهمها السلف فلا ينزلونها على معين مالم يرد نص في هذا المعين وترى الايثار واضحاً فيما بينهم ولهم اهتمام بالسلوك وتربية النفس وترويضها واتهامها ولهم نصيب وافر من أدب النفس و أدب الدرس فهم يألفون ويؤلفون ولا تمل مجالسهم وليس عندهم حرص على الدنيا وليس عندهم نهم بل الدنيا عندهم زاد وبلغة يفرحون بالضيف فيباسطونه ويبسطون بساط القرب للغريب حتى يصير كالقريب ما زارهم زائر إلا وألفهم ولا عرفهم نزيل إلا و أحبهم على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم هاهم علماء الأحساء و ما قلت فيهم قليل في حقهم هذا والله من وراء القصد وصلى الله على سيدنا محمد واله وصحبه وسلم
 
بقلم خادم أهل العلم
محمد بن عبدالرحمن بن حسين آل إسماعيل