كتاب النكت على تقريب التهذيب


كتاب النكت على تقريب التهذيب


قراءة في كتاب النكت على تقريب التهذيب
لسماحة العالم العلامة الفقيه المحدث المجتهد
الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل باز الهاشمي رحمه الله
بتحقيق فضيلة الدكتور
عبدالله بن فوزان الفوزان
الناشر : مكتبة دار المنهاج الرياض

يقع في 232 صفحة من القطع المتوسط وتقريب التهذيب هذا لخاتمة أهل الصناعة الحديثية والناس بعده عالة عليه ألا وهو الإمام الحافظ شيخ الإسلام أحمد بن علي بن حجر العسقلاني رحمه الله المولود سنة 773هـ والمتوفى سنة 852هـ صاحب الكتب في علم الرجال وفي الجرح والتعديل وصاحب أعظم شرح على صحيح البخاري ألا وهو فتح الباري وكتبه كلها معتبرة ومعتمدة وحكمه على الحديث مقبول لوسطيته فليس هو من المتشددين ولا هو من المتساهلين ولهذا اتفق عليه المختلفون مذهباً ومشرباً وكتبه في علم الرجال لابد للمختص من الاطلاع عليها كلها لأنه ما فاته هناك فإنه استدركه هنا وما أهمله هناك اعتنى به هنا وما استوعب البحث فيه هناك فإنه اختصره هنا أو ربما اعتمد على الباحث بعده ولذا يعتبر أمير المؤمنين في علوم الحديث بل خاتمهم .
ويبقى عمل البشر عمل بشر فجاء شيخنا العالم العلامة محدث العصر سماحة شيخنا الشيخ عبدالعزيز ابن باز رحمه الله ولا أظن في عصره من يدانيه في حفظه لرجال الحديث وحضور بديهته ودقته في المعايير والمقاييس التوثيقية للرجال .
والشيخ عرف بورعه الذي أدى به إلى الوسطية في قبول الحديث ورده مع وعي تام ودقة متناهية يعرفها من يقرأ له ويقرأ لغيره ويعرفها من جالسه وأنه من فضل الله عليّ أنني لازمته سنوات أقرأ له وأحضر أجوبته بل وأملى عليَّ شيئاً علقته على كتابنا هذا بخط يدي وممن تأثر بمنهج الشيخ وإنصافه فضيلة الأخ الشيخ عبدالكريم بن عبدالله الخضير عضو هيئة كبار العلماء وفقه الله وإليك أنموذجاً من ذلك فقد كتب وهو يشرح مختصر أبي القاسم الخرقي فقد كتب قائلاً : في مقدمة المؤلف ذكر رحمه الله تعالى البسملة وصدر الكلام بها اقتداءً بكتاب الله جلا وعلا وبكتبه عليه الصلاة والسلام تفتح بالبسملة وكذلك الحمد له اقتداء بالكتاب العزيز وما جاء في ذلك من حديث ” كل أمر ذي بال لا يبدأ ببسم الله ” الخ … وهو ضعيف أمّا ما جاء من لفظ ” كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله ” الخ … فقد حسنه جمع من أهل العلم وحكم بعضهم على جميع رواياته بالضعف على كل حال البداءة بهما مطلوبة ولو لم يكن في ذلك إلاَّ الاقتداء بالقرآن الكريم ، وأما ما جنح إليه بعض المفتونين حينما رأى الحديث لا يثبت بجميع طرقه ولا ألفاظه صدَّر كتابه بقوله : كانت الكتب التقليدية تبدأ بالبسملة والحمد له . سبحان الله يعني ذكر الله صار مسبَّة ينسب إلى الكتب التقليدية والكتب التقليدية هي العمد في أبوابها . الكتب القديمة يقصد ، ولو لم يكن في الباب إلاَّ افتتاح القرآن بالبسملة والحمد له والكلام على البسملة يطول وشرح في مناسبات وفي كتب كثيرة وكذلك الحمد له … انتهى كلام هذا الشيخ الفاضل الورع أقول وهذا هو مسلك شيخنا ابن باز في قبول الحديث ورده .
فالحديث يعتضد بالعمومات مثل حديث “إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد المساجد فاشهدوا له بالإيمان ” وهو ضعيف وتكلم عليه أهل الفن ولكنهم قبلوه لعموم قوله تعالى : ( إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله ) انظر كتاب كشف الخفاء ومزيل الإلباس وكذلك أورد شيخنا الشيخ عبدالله بن حميد رحمه الله نفس ما أورده إلا الأحساء كشف الخفا .
أعود ثانية إلى ترجمة سماحة شيخنا ابن باز فأقول لمَّا عرف الشيخ بعلمه وورعه وزهده وإيثاره صار كل من يحمل قلماً يقول أنا أخذت عن الشيخ ابن باز بل أعرف أشخاصاً ومعلمين يقولون بأنهم قرأوا على الشيخ رحمه الله وهم في الواقع لا يعرفون حتى بيته . وللشيخ تلاميذ لهم بصماتهم في حياتنا وقد ترجمهم الأخ الفاضل الشيخ عبدالعزيز بن راشد البراك من أهل الخرج حفظه في كتابه ” قاضي الدلم ” الكتاب الذي عرضه على سماحته فأقرَّه عليه ومن هؤلاء :
1- الشيخ راشد بن صالح بن خنين عضو هيئة كبار العلماء رحمه الله .
2- الشيخ سليمان عبدالله الحماد المحقق بوزارة العدل رحمه الله .
3- الشيخ عبدالله بن حسن بن قعود عضو هيئة كبار العلماء رحمه الله .
4- الشيخ عبدالله بن شديد عضو هيئة التمييز رحمه الله .
5- عبدالرحمن بن جلال من أهل الدلم سلمه الله .
هؤلاء تأثروا بالشيخ وسلوكه رحمهم الله وغيرهم كثير .
ولشيخنا رحمه الله سجل كبير يتكون من مجلدات سماه البستان يدون فيه الفوائد والنكات في كل فن فعسى الله أن ييسر إخراجه وطباعته .
وللشيخ لمسات عجيبة ومفيدة هذه نماذج منها ص42 رقم 16. ورد في الأصل إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق الجُوزجاني بضم الجيم الأولى وزاي وجيم نزيل دمشق ثقة حافظ رُمي بالنََصَب من الحادية عشرة مات سنة تسع وخمسين.
قال سماحة شيخنا قال الحافظ في مقدمة الفتح ص446 في ترجمة المنهال ابن عمرو عن إبراهيم المذكور ما نصه : وأمَّا الجوزجاني فقد قلنا غير مرة إنَّ جرحه لا يقبل في أهل الكوفة لشدة انحرافه ونصبه الخ ..
انظر كيف لم يقبلوا كلامه في أهل الكوفة لأنه يميل عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه فهذا الرجل ثقة ثقة ثبت في كل ما يقوله : ولكن ميله عن علي رضي الله عنه صار جرحه لا يقبل فالذي لا يوالي علياً يعتبر ناصبياً عند أهل السنة والجماعة وأهل السنة سبقوا غيرهم في تعديل الرجال وهم أول من استعمل لفظة ناصبي فهم يعرفون لأهل البيت قدرهم والشيعة في هذا الزمن لعدم عنايتهم بهذا الفن صاروا يطلقون هذا اللفظ على كل سني بل وربما أطلق بعضهم على فلان بأنه سلفي ويقصدونه به أنه ناصبي أي ناصب أهل البيت العداء وهذا راجع إلى الجهل وهذه من مناقب أهل السنة أنهم أول من أطلق كلمة ناصبي على فقط من لا يميل إلى علي رضي الله عنه اللهم ارزقنا الإنصاف وجنبنا التحامل والاعتساف آمين واجز شيخنا ابن باز خير الجزاء على دقته وورعه وإنصافه وغيرته على هذا الدين .

بقلم خادم أهل العلم
محمد بن عبدالرحمن بن حسين آل إسماعيل