أهداني الأخ الكريم الأستاذ الأديب خالد بن قاسم الجريان الكتاب آنف الذكر وهو من تأليف العالم العلامة الموسوعي الإمام الشيخ يوسف بن حسن بن عبدالهادي المقدسي الحنبلي المعروف ((بابن المِبرَد)) المتوفى عام 909هـ والإمام جلال الدين السيوطي الشافعي المتوفى عام 911 هـ يعني أنهما موسوعيان ومتعاصران وكتبا في كل فن في العلوم الشرعية وفي العلوم اللسانية.
والأستاذ المحقق الكريم خالد كريم طبعاً وسجية أحسن الظن في الفقير فأهداه الكتاب.
والإمام يوسف بن عبدالهادي رحمه الله فقيه حنبلي محدث لغوي ألف في كل فن ومن أشهر كتبه ((مغني ذوي الأفهام عن حمل الكتب كثيرة الأحكام)) في الفقه الحنبلي وذكر المذاهب الثلاثة.
وكتاب جمع الجوامع وهم لم يطبع حتى الآن وهذا شأن العلماء المسلمين عرفوا بالشمولية والموسوعية فالإمام الطبري شيخ المفسرين وشيخ المؤرخين وهو فقيه والإمام الخطيب البغدادي فقيه مؤرخ محدث والإمام ابن كثير مؤرخ فقيه مفسر والفيروز آبادي مفسر لغوي والإمام مرتضى الزبيدي شرح القاموس المحيط وشرح الإحياء لحجة الإسلام الغزالي وهذا شأن العلماء المسلمين يتكلمون في الفقه فيعربون ويمر التأصيل فيتكلمون في أصول الفقه وتمر آية فيفسرونها ويمر حديث فيخرجونه ويمر اسم راوي فيترجمون له ويتعرضون له بالجرح والتعديل وتمر لفظة فيذكرون اشتقاقها ويمر شاهد فيترجمون لقائله ويعربونه ويذكرون ما فيه من بلاغة وفصاحة بخلاف هذا العصر عصر الشهادات العليا إذا قال: ما إعراب كذا قال الشيخ لست نحوياً وإذا قال ما صحة الحديث قال لست محدثاً وإذا قال: ما منشأ الخلاف قال: لست مجتهداً وإذا قال: ما اشتقاقها؟ قال: لست لغوياً ويكون حاله حال الذي ما تحصل على بلح الشام ولا عنب اليمن أعود فأقول: إنَّ همة الأستاذ خالد سوف توصله إن شاء الله إلى مبتغاه
إذا حاولت في شرف مروم
فلا تقنع بما دون النجوم
أمَّا قصة عروة بن حزام فإنها تستحق الوقوف عندها والوقوف عند قيس ليلى فهناك تشابه في الظروف والبيئة ولا ننسى قيس لبنى هؤلاء أصحاب الحب العذري وأين شبابنا من هؤلاء والمثل العامي يقول ((الذي يحب لا يؤذي)) بمعنى أنه مهما أذابه العشق والحب إلاًّ أنه لا يفضح محبه ولا يتسبب في إيذائه
كما قال شوقي:
جحدتها وكتمت السهم في كبدي
جرح الأحبة عندي غير ذي ألم
وقد ألف الإمام ابن القيم كتابه ((روضة المحبين ونزهة المشتاقين)) وضعّف حديث من عشق وعف وكتم ومات فهو شهيد ولكن صححه أبو الفيض الغماري في كتاب مستقل الناشر مكتبة القاهرة.
والحب العشق يهجم بلا استئذان وكم أردى من قتيل ولهذا ورد في الحديث ((لك النظرة الأولى وليست لك الثانية)) لأنَّ الثانية سوف تتبعها نظرات ثم حسرات.
ويكفينا ما وقع للإمام ابن حزم رحمه الله حتى بثه في كتابه ((طوق الحمامة في الألفة والآلاف)).
أعود لكتابنا ((كل المرام)) فحب عروة من هذا الباب فلم يتمكن من الزواج من ابنة عمه فقدموا البعيد الغني عليه لفقره حتى شكا كما شكا قيس ليلى بن الملوح وكما شكا قيس لبنى بن ذريح وكما شكا محمد الفيحاني في قطر ولقد عرفت بعض الإخوة الفضلاء من الزهاد والعباد والنساك أحبوا وعشقوا فكتموا فحفظهم الله من الإنزلاق ولعروة بن حزام وقفات لها معاني بديعة مثل قوله:
وإني لتغشاني لذكراك فترة
لها بين جلدي والعظام دبيب
والآخر يقول:
وإني لتعروني لذكراكِ هزة
كما انتفض العصفور بلله القطر
وفي قوله:
ألا حبذا من حب عفراء وادياً
بغام وبزل حيث يلتقيان
وقيس ليلى يقول:
أمر على الديار ديار ليلى
أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي
ولكن حب من سكن الديارا
وقوله في ص62
فياليت كل اثنين بينهما هوىً
من الناس بعد اليأس يلتقيان
والآخر يقول:
قد يجمع الله الشتيتين بعدما
يظنان كل الظن ألاَّ تلاقيا
وأعجب بيت وقفت عليه قوله في ص 86
وما عجبٌ موت المحبين في الهوى
ولكن بقاء العاشقين عجيب
وأعجب منه عندي قوله في ص95
وإني لأهوى الحشر إذا قيل إنني
وعفراء يوم الحشر ملتقيان
أمَّا قوله: في ص96
ألا أيها الركب المُحبونَ ويحكم
بحقٍ نعيتم عروة بن حزام
فلا هنأ الفتيان بعدك غارةً
ولا رجعوا من سفرة بسلام
وقل للحبالى لا يرجِّين غائباً
ولا فرحاتٍ بعده بسلام
وهنا شاعرنا تحجر واسعاً حين قال الأعرابي اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً فقال صلى الله عليه وسلم: لقد تحجرت واسعاً.
والشعراء يبوحون غالباً بما لا يعتقدون فهم أبناء ساعة انفعالهم وهذا أحد الكتاب حين قال له الأمير لم اخترت الكتابة على الشعر ردَّ قائلاً إنَّ الشاعر ابن ساعته ولا يتحكم في عاطفته فربما قال ما يندم على ما قال بعد مفارقته.
وعفى الله عن أبي فراس حين قال:
معللتي بالوصل والموت دونه
إذا مت ظمآناً فلا نزل القطرُ
فإنه كذلك تحجر واسعاً
وأحسن منه القائل:
فلا نزلت عليَّ ولا بأرضي
سحائب ليست تنتظم البلادا
ولكنه العشق والحب يعمي ويصم فلا عذل فلا عذل
لا تعذليه فإنَّ العذل يوجعه
قد قلت حقاً ولكن ليس يسمعه
وفي الختام أعيد قول المتقدم
وذو الشوق القديم وإن تعزى
مشوق حين يلقى العاشقينا
بقلم
محمد بن عبدالرحمن بن حسين آل إسماعيل