هل قامت الدولة السعودية على مذهب سياسي؟


هل قامت الدولة السعودية على مذهب سياسي؟


لعل من الملاحظ والمستغرب لدى الكثير ممن يجهل نظام الدولة السعودية في جميع أدوارها الثلاثة أنَّ سياستها سياسة منفتحة على الشرق والغرب مع تمسكها بثوابتها الدينية، وكلما ازدادت المحن زاد ازدهار هذه الدولة وصلب عودها متفاعلة مع جميع الحضارات، إيجابية نحو كل ما يسر البشرية ويجلب لها السعادة، ثم هي سباقة ورائدة في كل ميادين السعادة وهي مع هذا لم يدخلها أجنبي ولم تخضع لاستعمار، لها شخصيتها المؤثرة في الشرق والغرب انطلاقاً من الحرمين الشريفين وامتداداً للفطرة في قلب الجزيرة العربية من نجدة ونخوة وإيثار بلا مَنّ ولا أذى ولا حقد، في الذروة من مكارم الأخلاق في السلم والحرب في العسر واليسر في الرخاء وفي الشدة، حين يتكلم أحد رجالها في محفل فإنه يستحوذ على إعجاب الحاضرين، هيئة ولباس عربي قح وملامح صحراوية وفصاحة يشوبها شيء من البداوة ومنطق قوي جهوري مؤثر مقنع كما يقول أهل البلاغة مع هذه الفصاحة كذلك مراعاة مقتضى الحال، ذكاء عربي مفرط وفراسة حادة صادقة وبعد نظر، لا مجال للمجاملة ولا مجال للكذب ولا مجال للخداع، متأثرين بعرب الصحراء. إذن الناس حيال هذه الحضارة العربية البدوية وحيدة نسجها قسمان: محبون يغبطون، وأعداء يحسدون ويتمنون زوال هذه النعمة.

هذه الحضارة لا مشكلة عندها فهي تتفاعل مع الحضارة الغربية إيجابية مع التمسك بثوابتها الدينية، وهذا شيء صعب عليها التزامه، والطبيعة والسر في ذلك أنها حين قامت كان المذهب السائد في قلب جزيرة العرب وفي بعض أطرافها هو مذهب إمام أهل السنة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله فالناس يتبعون هذا المذهب قبل قيام هذه الدولة في جميع أدوارها وحين قامت هذه الدولة كانت نشأة رجالها على هذا المذهب وهو الرابع بالنسبة لمذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي رحمهم الله.

وهذا المذهب كما قال الإمام الشيخ محمد أبو زُهرة هو المذهب الذي يصلح لكل زمان ومكان؛ لأنه أوسع المذاهب في المعاملات من عقود وصفقات وأعيان كلها على الإباحة والجواز والحل إلاَّ ما ورد نص بتحريمه، والذي جاء نص بتحريمه قليل جداً بل أقل من القليل، والغرب والشرق لا يعترف بشرائع، إذن من هذا الباب فلا مشكلة لتعامل الشرق والغرب مع هذه الدولة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء.

ولهذا لما أحس الخصوم في القديم بأنَّ هذه الدولة لابدَّ أن تظهر فإنهم سلكوا جميع السبل في محاولة يائسة لتنفير الناس عنها فيقولون مثلا (لا تكون حنبلياً) كناية عن الشدة وضيق الأفق، ولكن هيهات هيهات، نمت هذه الدولة وترعرعت، ولو رجعنا للكتب التي كتبت عن تاريخ التشريع وعن أصول التشريع مقارنة بالقوانين الوضعية لرأيناهم استفادوا كثيراً من كتب هذا المذهب العظيم، وبالرجوع إلى كتاب الإمام محمد أبو زُهرة (الإمام أحمد بن حنبل) أو إلى كتاب (الفكر السامي) أو إلى (المدخل إلى أصول الفقه) للدكتور معروف الدواليبي وغيرهم لرأيناهم ينقلون الصفحات الكاملة من كتب الحنابلة في العقود والمعاملات،إذن هذه الدولة وفقت حيث إنها لم تختر لها مذهباً سياسياً ولكن هذا هو مذهبها ومذهب بيئتها مذهب مرن في المعاملات ووسطي في المعتقدات في باب الردة والبغي والخوارج والتكفير والتبديع، دقة لا توازيها دقة، صناع الذهب ولهذا لم تجد نفرة ولا وحشة بين رجال هذه الدولة وبين الفقهاء والعلماء الكبار في هذه الدولة، فلا مجال للغش والمجاملات بل الوضوح والصراحة والثقة والاحترام المتبادل، وهذا بفضل الله ثم بفضل التمسك بمنهج الكتاب الكريم والسنة المطهرة على فهم السلف الصالح وفي مقدمتهم إمام أهل السنة الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه. هذا والله من وراء القصد.

 
كتبه خادم أهل العلم

محمد بن عبدالرحمن بن حسين آل إسماعيل

* نشر في جريدة الجزيرة الجمعة 07 ربيع الثاني 1430   العدد  13336
Friday  03/04/2009 G Issue 13336

http://www.al-jazirah.com.sa/829248/rj9d.htm