هذه الحضارة لا مشكلة عندها فهي تتفاعل مع الحضارة الغربية إيجابية مع التمسك بثوابتها الدينية، وهذا شيء صعب عليها التزامه، والطبيعة والسر في ذلك أنها حين قامت كان المذهب السائد في قلب جزيرة العرب وفي بعض أطرافها هو مذهب إمام أهل السنة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله فالناس يتبعون هذا المذهب قبل قيام هذه الدولة في جميع أدوارها وحين قامت هذه الدولة كانت نشأة رجالها على هذا المذهب وهو الرابع بالنسبة لمذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي رحمهم الله.
وهذا المذهب كما قال الإمام الشيخ محمد أبو زُهرة هو المذهب الذي يصلح لكل زمان ومكان؛ لأنه أوسع المذاهب في المعاملات من عقود وصفقات وأعيان كلها على الإباحة والجواز والحل إلاَّ ما ورد نص بتحريمه، والذي جاء نص بتحريمه قليل جداً بل أقل من القليل، والغرب والشرق لا يعترف بشرائع، إذن من هذا الباب فلا مشكلة لتعامل الشرق والغرب مع هذه الدولة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء.
ولهذا لما أحس الخصوم في القديم بأنَّ هذه الدولة لابدَّ أن تظهر فإنهم سلكوا جميع السبل في محاولة يائسة لتنفير الناس عنها فيقولون مثلا (لا تكون حنبلياً) كناية عن الشدة وضيق الأفق، ولكن هيهات هيهات، نمت هذه الدولة وترعرعت، ولو رجعنا للكتب التي كتبت عن تاريخ التشريع وعن أصول التشريع مقارنة بالقوانين الوضعية لرأيناهم استفادوا كثيراً من كتب هذا المذهب العظيم، وبالرجوع إلى كتاب الإمام محمد أبو زُهرة (الإمام أحمد بن حنبل) أو إلى كتاب (الفكر السامي) أو إلى (المدخل إلى أصول الفقه) للدكتور معروف الدواليبي وغيرهم لرأيناهم ينقلون الصفحات الكاملة من كتب الحنابلة في العقود والمعاملات،إذن هذه الدولة وفقت حيث إنها لم تختر لها مذهباً سياسياً ولكن هذا هو مذهبها ومذهب بيئتها مذهب مرن في المعاملات ووسطي في المعتقدات في باب الردة والبغي والخوارج والتكفير والتبديع، دقة لا توازيها دقة، صناع الذهب ولهذا لم تجد نفرة ولا وحشة بين رجال هذه الدولة وبين الفقهاء والعلماء الكبار في هذه الدولة، فلا مجال للغش والمجاملات بل الوضوح والصراحة والثقة والاحترام المتبادل، وهذا بفضل الله ثم بفضل التمسك بمنهج الكتاب الكريم والسنة المطهرة على فهم السلف الصالح وفي مقدمتهم إمام أهل السنة الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه. هذا والله من وراء القصد.
محمد بن عبدالرحمن بن حسين آل إسماعيل
* نشر في جريدة الجزيرة الجمعة 07 ربيع الثاني 1430 العدد 13336
Friday 03/04/2009 G Issue 13336
http://www.al-jazirah.com.sa/829248/rj9d.htm