الفتنة نائمة


الفتنة نائمة


 

 نحن في مجتمع مسلم على فطرته ولا نزال ولله الحمد متلاحمين يظهر ذلك في الأفراح ويظهر ذلك في الأحزان وفي الجنائز خاصة. ولكننا نتأثر نفرح ونحزن ونغضب ونرضى ونقاطع ونواصل وما دامت شعرة معاوية نصب أعيننا فنحن بخير وأي مجتمع فيه أشراف وفيه أطراف ولا تزال الأشراف تبتلى بالأطراف وكان في السابق رجال أدركتهم عقولهم تزن الجبال الرواسي لهم ثقلهم في المجتمع ولهم احترامهم حتى ولو حصل سوء تفاهم فإنَّ مهمة هؤلاء إزالته لأنهم ليس لهم غرض وقد أخذوا الوجاهة بحقها وقد شهد لهم المجتمع بالنضج العقلي حاضرة وبادية.

ولكن مع الانفتاح وضياع القيم أو ما يسمى الشيم والعادات والسلوم وأصبح المتصدرون ربما يحملون شهادات عليا ولكنهم غير مؤهلين تربوياً أو أسرياً وغاب أصحاب الوجاهة الحقيقية عندها كثرت المشاكل وسوء التفاهم والقطيعة بل واستشرت القطيعة ففي كل ناحية وفي كل حي نزاع وخلاف وتساوى في هذا الأشراف والأطراف والمتعلمون والجهال وكثر الذين يثيرون الفتن وكثر الواشون وقد يكون في هؤلاء من يظن فيه الخير والصلاح من المتزينين بما ليس فيهم بل طبعوا على ما ورثوا ولكل صانع صنعته التي تؤثر في سلوكه والتي يرثها والطبع يغلب التطبع وليس التكحل في العين كالكحل. عندها امتلأت المحاكم والسجون وتعقدت الأمور وغاب الناصحون والمصلحون حتى وإن وجد فلا تأثير له لغلبة الزبد على ما ينفع الناس.
وأصبح الذي يصلح كحال الذي ذهب ليصلح بين الزوجين فأخذ في حديثه مع الزوجة يعدد عيوباً في زوجها لم تكن تعلم بها مما جعل الزوج يقول له قبحك الله لقد زدت الطين بلة.
          ولذا تجد النزاع بين الأسرة الواحدة وبين ذوي الأرحام والدهماءُوالسوقةُ يشمتون بهم ويفرحون بما يفرقهم.         لماذا؟ لأن هؤلاء المتنازعين كانوا ينظرون إلى الناس من علو ويرون أنهم حماة الفضيلة فإذا بهم يقعون من حيث يشعرون أو لا يشعرون وقد يكون في هؤلاء علماء ومربون ولا يأخذون بقوله تعالى: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس)إلى آخر الآية وقوله تعالى: (فمن عفى وأصلح فأجره على الله).
لا لا لابد أن يثأروا لأنفسهم ولو كان على حساب تقطيع أرحامهم،ولو افترضنا أنَّ أحد الخصمين كان ناقص الإدراك لحملناه كما حمل القائل:
 ولقد أمر علي اللئيم يسبني
                       فمضيت ثمة قلت لا يعنيني
أو كما قال الآخر:
    إذا بليت بشخص لا خلاق له
                                فكن كأنك لم تسمع ولم يقل
أو كما قال الآخر:
   إذا خاطبك السفيه فلا تجبه
                            فخير من إجابته السكوت
ولكن القضية تنقلب عكسية ويكون حال هؤلاء كما قال الآخر:
 إذا جاريت في خلق دنياً
                        فأنت ومن تجاريه سواء
وفي هذا الطرف يندس مثيروا الفتن بل إنَّ بعضهم قد يصل به الحال أن يحث الآخرين على الشهادة زوراً وذلك بحكم مركزه أو مظهره الذي يخدع به السذج خصوصاً من الحاقدين أو ممن ليس لهم مجد في الغابر.
          ولقد كان فيما مضى رجال عرفوا بأنهم قدوة في المجتمع بقوة شخصيتهم وحسن سياستهم وإنفاقهم في سبل الخير والإصلاح لا ترد لهم كلمة ولا ترد لهم شفاعة تربوا على هذا كابراً عن كابر.

فالوجاهة لها أثرها في استجابة الناس خاصة في مجتمعات لا تزال محافظة على الحياة التقليدية أشبه بالنظام القبلي فالناس لا يقبلون شفاعة أي إنسان فلا بد من إنسان عرف أبا عن جد بجاهه وحبه للخير وقوة تأثيره في المجتمع فهو في الغالب رجل يقتدى به من حيث العادات والتقاليد والأعراف أمَّا الآن فحال الكثير حال المثل المصري ((جيت لك أبغيك عون لقيتك فرعون)) هذا والله من وراء القصد.

كتبه خادم أهل العلم

محمد بن عبدالرحمن بن حسين آل إسماعيل

* نشر في جريدة الجزيرة الجمعة 04 ذو القعدة 1430   العدد  13539
Friday  23/10/2009 G Issue 13539
http://www.al-jazirah.com/109557/is10d.htm