الإمامة والأئمة


الإمامة والأئمة


الإمامة شأنها عظيم ليست وظيفة كسائر الوظائف وأحكامها وآدابها معروفة مسطرة في الكتب ويعرفها كبار السن وإن لم يكونوا علماء وذلك لمجالستهم العلماء والفقهاء الكبار، ولكن في هذه الأيام عصر ما يسمى بالصحوة فترى عجباً من الأئمة الشباب ممن لا يتتلمذون على علماء معروفين حيث تصدَّر الأغمار لتعليم الناس وأصبح العلم يُؤخذ من الإنترنت وكلِّ معجب برأيه.
فقد كان الأئمة في السابق يختارهم أهل العلم وأهل الرأي والمشورة في الحي.
فكان الغالب على الأئمة مع الاستقامة حسن السمت مع مروءة ظاهرة وتعفف عما في أيدي الناس والتورع في المكاسب وعدم مداخلة الناس في بيوع ربما لا تخلو من شبهة أعني ما يسمى (بالدلالة – والدلال) فترى على الإمام الوقار والسكينة وحسن الهندام والبشت الذي من شأنه تقييد لابسه في تصرفاته مع الرزانة والتواضع ويأتي الإمام مبكراً ويقرأ السور التي سوف يقرأ بها في الصلاة ويصلي في أول الوقت فإذا صلَّى راعى أحوال من خلفه من قصر أو تطويل ثم إذا سلم استقبلهم بهدوء يهلل ويسبح وسابق الجماعة وسابقوه بالسلام وينظرون إليه على أنه القدوة وينظر إليهم على أن هذا أخوه وهذا ابنه فيحترم الكبير ويحنو على الصغير ويتفقدهم لا تسلطاً ولا لفضحهم وإنما شفقة عليهم فيفرحون إذا طرق باب أحدهم ويتشرفون بزيارته ويستشيرونه في أمورهم فيحفظ سرهم ويصلح بينهم عن قناعة، فإذا كان في يوم العيد بكر بالصلاة بهم فيعطيهم فرصة ليستعدوا للعيد من استحمام ولباس فنجد ذكره دائماً على ألسنتهم يدعون له ويثنون عليه في غيابه وإذا دار خلاف في موضوع ما قالوا ما رأيكم في فلان وهو إمام عندها يسكت الجميع راضياً به.
أما الآن زمن ما يسمى بالصحوة أو الطفرة فقد خرج أئمة أقول بعضهم ولا أعمم بحكم تجربتي الإدارية السابقة خرج بعض الأئمة من لا يقيمون للإمامة وللجماعة وزناً.
فبعضهم لا يأتي إلى الصلاة إلا إذا أنهى مشاغله أتى آخر الوقت وتجاهل أن الصلاة في أول الوقت فضيلة ثم إذا كبَّر أطال الصلاة هذا مع تأخره ولم يراعِ حال من خلفه ثم إذا سلَّم أخذ يفرقع أصابعه أو أخذ يحدق في المصلين يذرعهم ولا يأتي بالأذكار والأوراد التي بعد الصلاة وإن أتى بها أتى بها منكسة ناقصة أو زائدة، وإن كان في يوم عيد فإنه لا يراعي مناسبة العيد فيقيم الصلاة كسائر الأيام مما يجعل الجماعة يتضايقون ولكنه في سائر الأيام ربما يبكر بصلاة الظهر لماذا ليأتي بأولاده من المدرسة وإذا تأخر عن الصلاة وأقيمت الصلاة عَلَتْه سورة الغضب وقال بلا احترام للجماعة لا أحد يقيم قبل أن آتي فالذي يعجبه عملي وإلا فليذهب إلى مسجد آخر وهذه الظاهرة كثرت.
تأخر صلى الله عليه وسلم عن صلاة الفجر وكانوا في سفر وإنما تأخر للطهارة للصلاة فلم ينتظره الصحابة وقدموا عبدالرحمن بن عوف فقال صلى الله عليه وسلم (أحسنتم) رواه مسلم.
وتأخر في صلاة الظهر صلى الله عليه وسلم فقدموا أبا بكر رضي الله عنه متفق عليه.
وكان منهم هذا مراعاة لأول الوقت وليس آخره كما يفعل البعض ممن يقدمون حاجاتهم على الصلاة في الوقت الفاضل ومع هذا لم ينكر عليهم صلى الله عليه وسلم بل قال أحسنتم وهذا الإمام يقول: اذهبوا إلى مسجد آخر! فأين الأخلاق؟! وأين الذوق؟! وأين احترام الجماعة؟!.
وبعضهم يدخل مقطباً ويخرج مقطباً وينتظر من الجماعة بأنهم هم الذين يسلمون عليه فإذا لم يسلموا عليه فلا يسلم هو عليهم ابتداءً.
وبعضهم يستبد بالتصرفات في المسجد دون أخذ رأي أهل المشورة وأهل العلم في المسجد.
بعض الأئمة يحاول تقسيم جماعة المسجد وتفريق كلمتهم من باب فرق تسد، ففي كل أمر يعمل تصويتاً وتخيل أن الجماعة يمثلون المجتمع بكل شرائحه فيهم العالم والجاهل والحليم فيتحول المسجد إلى فوضى.
وبعضهم ربما قرأ في كتاب مثل صحيح مسلم أو البخاري فيهما عام وخاص ومطلق ومقيد وناسخ ومنسوخ فيوقع العامة في حيرة وهذا الكتاب لا يصلح يقرأ فيه إلا عالم ليفهم الناس، وإذا قرأ لَحَنَ لحناً يخل بالمعنى رفع المفعول ونصب الفاعل أو نطق نطقاً غير صحيح، فإذا ردَّ عليه أحد الحاضرين، فإنه لا يستجيب، فإذا نوقش قال لا ترد عليَّ فلماذا لا تقرأ أنت وما درى أنه يأثم حيث يحرف كلام النبي صلى الله عليه وسلم عناداً ومكابرةً.
وإنْ قرأ في كتاب غير منهجي ربما فتاوى شاذة ما أَلِفَهَا المجتمع يرد بها على جمهور العلماء المتقدمين، وبعض الأئمة إذا كلمته بدأ يلتفت يميناً وشمالاً متجاهلاً رافعاً بصره مُصعِّراً خده كِبراً وتيها.
وبعض الأئمة يصلي وهو منشغل بقضايا ربما نقلها إلى المسجد فقد يكون دلالاً (عقارياً) أو وسيطاً في علاقات استثمارية أو اجتماعية هذا كله في المسجد، فإذا انتهى من الصلاة بدأت الصفقات في المسجد، وبعض الأئمة إذا سلم قام من الصف الأول إلى الخلف وجمع له مجموعة من العامة يتحدث إليهم عن شؤون الدنيا.
بل هناك بعض الأئمة ما عنده مانع أن يتنازل عن المسجد بما يسمى (الخلو) أو (الرغبة) أو (التقبيل) فالإمامة ليست بالشيء الهين فالمسلم يبحث عن راحته في الصلاة كما قال صلى الله عليه وسلم: (أرحنا بها يا بلال) ولم يقل: أرحنا منها ولكن هذه المشاهد تعكر الصفو وتذهب الخشوع والطمأنينة وهذه المظاهر قد تجتمع في إمام واحد وهذه الصلاة هي عمود ديننا يجب أن نحرص على البحث عن الإمام ولا أظن القائمين على شؤون المساجد بعاجزين ولا أنسى اللجان السرية التي تتجول على المساجد فيجب عليها أن تهتم بهذه الظاهرة السلبية في بعض الأئمة.نريد أنْ نصليَ مطمئنينَ مقبلينَ على الله نرى أئمةً متفتحةً أساريرُ وجوهِهم يُرغبون الناس في الإقبال على الصلاة.. هذا والله من وراء القصد.
 
 
بقلم
خادم أهل العلم
محمد بن عبدالرحمن بن حسين آل إسماعيل

* نشر في جريدة الجزيرة الجمعة 17 محرم 1429   العدد  12902
http://www.al-jazirah.com/100398/is7d.htm