الشيخ عبدالله آل ملاء في ذمة الله


الشيخ عبدالله آل ملاء في ذمة الله


   سيذكرني قومي إذا جد جدهم

                     وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
لقد ودعنا بالأمس العالم العلامة المحدث الفقيه النزيه الورع التقي الصالح الشجاع في قول الحق الشيخ عبدالله بن الشيخ عبدالرحمن آل ملا  رحمه الله رحمة واسعة فإنه انتقل إلى خير جوار إنه جوار ربه
رجل لا كالرجال في صفاء نفسه ونقاء سريرته تميز بصراحته ووضوح دخيلة لا يكذب ولا يغدر ولا يقول خلاف مابداخله رجل من السهل الممتنع
       لا تطلبن كريماً بعد رؤيته
                     إنَّ الكرام بأسخاهم يداً ختموا
كرم النفس وكرم النصح وكرم صفاء السريرة شخصية مستقلة ليس إمعة يقول إن أحسن الناس أحسنت وإن أساء الناس أسأت له بصيرة ثاقبة يحفظ كنوزه العلمية لا يعطيها كل أحد إلاَّ من يستحقها بفراسته الثاقبة وإذا عرف حقيقتك أشفق عليك وأبرز لك خلاصة تجاربه كأنه أمك أو أبوك يفتقدك إذا غبت عنه ويتصل بك ويرسل من يتصل بك ويسألك لماذا الهجر ولماذا القطيعة.
قد يكون كتاباً نادراً يختصك به أو يصوره لك هدية. عنده تجارب وعنده فوائد. من كبر سنه تقلقه وتقض مضجعه يبحث عمن يستحقها وكنت ولله الحمد واحداً من هؤلاء.
فإذا غبت عنه اتصل بي فإذا زرته فإني أقوم بجولة في المكتبة ولكن الشيخ لا يتركني أطالع الكتب فهو يتجول معي وكأنه والدي الذي يحنو عليَّ يتجول ويلقي علي الكثير من النصائح والتجارب المريرة التي مر بها فأخجل من تجوله معي فأضطر إلى الجلوس على الكرسي حتى لا أرهقه ورأيته يلتقي مع كثير من مشايخي في نجد والحجاز الذين يقولون كلنا نحرص على أن نكون وسطيين في حياتنا وأذكر أن شيخنا الشيخ حمد الجاسر رحمه الله قال لي يا محمد وسطيتك سوف تنتهي بك إلى الضياع لأن المجتمع لا يفهم إلاَّ لغة واحدة إماَّ أن تكون منا أو تكون منهم لابد أن تنتمي انتماءً واضحاً أنا معكم أو ضدكم وكذلك شيخنا الشيخ عبدالله رحمه الله فحياته حافلة بالتجارب فرجل أسرته مرجع في العلوم الشرعية وعلى مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان.
ففيهم علماء في السلوك وعلماء في الفقه،ويلازم الشيخ الفقيه عبدالعزيز بن عمر آل عكاس وهو حنفي المذهب محدث يجتهد في المذهب ذاع صيته في نجد والحجاز وله درس في الحرم المكي في شهر رمضان من كل عام كما ذكر ذلك عمر عبدالجبار في كتابه دروس الحرم المكي حيث أثنى على علم الشيخ عبدالعزيز وقال أنه من أخص أصدقاء الشيخ الفقيه الحنبلي محمد بن عبدالعزيز آل مانع مدير المعارف العام والشيخ ابن مانع طوف البلدان نجداً والعراق والشام ومصر للتحصيل العلمي فلا شك له شخصية مؤثرة ومذهب الإمام الأعظم له عناية بالاستحسان لتأثره بفقهاء العراق مثل إبراهيم النخعي رحمه الله ويلتقي شيخنا في الأحساء بالشيخ عبدالعزيز بن صالح العلجي وهو فقيه مالكي ومالك عرف مذهبه بسد الذرائع وتضييق دائرة الاستحسان التي لا يخلو منها مذهب. وهناك مسائل شرعية تدخل تحت مسمى الحيل الشرعية وهي مخارج الكثير من النوازل والمشاكل الاجتماعية ولا يخلو منها مذهب من المذاهب الأربعة وإن كان الحنفية أكثر من غيرهم بينما يقابلها من هناك سد الذرائع عند المالكية وبعدهم الحنابلة والتي هي بأمس إلى الضبط فالتوسع في الاستحسان والحيل له خطورته والتوسع في سد الذريعة له خطورته وإذا عدنا ورأينا شيخنا أتى من الهند يحمل شهادة من جامعة ديوبند في علم الفقه والحديث والجدل والمنطق و كثير من كتب الردود التي كانت بين علماء الهند من محدثين وفقهاء إذا هذه كلها لها الأثر الكبير في تكوين شخصية شيخنا رحمه الله ولذا فإن الشيخ رحمه الله استغرب من أنني أقرأ كتب الشيخ عبدالحي اللكنوي الحنفي وأنني أستحضر غالب كتابه الرفع والتكميل في الجرح والتعديل وأَنِس بي رحمه الله فكان يطلعني على ما يدور من حوار يحتد تارة ويلين تارة بين مدرسة تدعو إلى سد الذرائع ومدرسة تدعو إلى الاستحسان ولا ترى سد الذرائع فينتقل هذا النقاش والخلاف إلى الواقع وكان شيخنا غالباً ما يكون حاضراً لما يدور بين الشيخ العلجي المالكي والشيخ ابن عكاس الحنفي مما جعل الشيخ يستفيد من كل المدارس ويخرج بتوجه إصلاحي لكنه لم يوفق فيه لأنَّ البيئة غير مهيأة لذلك ولكنه نجح في الإصلاح الإداري والاجتماعي حين كان رئيس المجلس البلدي.
وقاعدة سد الذريعة التوسع فيها كالملح إذا كثر أفسد الطعام ربما تلغي نصوص من الشريعة المطهرة بأسباب التوسع في سد الذريعة خصوصاً في هذه الأيام فهي بحاجة إلى فقيه أصولي لا محدث فإنَّ النظر في هذه القواعد بحاجة إلى فقيه لكن مع الأسف تجد في الساحة من لم يقم للفقه والفقهاء وزناً ويدعي أنه محدث وإذا به يدخل في هذه القواعد التي لا يفهمها إلاَّ الفقهاء.
هذه هي شخصية شيخنا رجل مر بكل هذه الظروف التي لا أقول بأنها متناقضة إنما يكمل بعضها بعضاً ثم بعد هذا كله تجد مدرسة السلوك التي تميزت بها أسرته توقفه موقف الورع وعدم الهجوم ثم ترك الدفاع عن أفكاره التي لو دونها مع تجاهل المخالفين لكوَّن مدرسة إصلاحية لمنطقة هي في أمس الحاجة إليها ومع الأسف الكثير من الناس ما عرفوا الشيخ إلاَّ أنه صاحب مكتبة ولو كان شاعراً لطاروا به ولكن الشيخ رحمه الله جاد في رسالته ليس عنده وقت يقضيه مع قال الراوي يا سادة يا كرام وليس عنده وقت للمستطرف ولهذا فإنَّ الله أطال عمره. ومثواه الأخير جنة الخلد بحول الله وقوته. وجلسة معه رحمه الله تعطيك إشارات ومفاتيح تغنيك عن الجلوس على كرسي الطلب أياماً وليالياَ.
ويكفيه فخراً أنه لم يعط مجالاً للكذابين والدجالين ومثيري الفتن من المفرقين الشمل الاقصائيين الذين اتخذوا العلم ستاراً لقذف الصالحين والنابغين والنابهين والصادقين.
كانت ولادة شيخنا 1327 هـ .
  
بقلم
خادم أهل العلم

محمد بن عبدالرحمن بن حسين آل إسماعيل

أرسل لجريدة (اليوم) بتاريخ 24/12/1428هـ ولم ينشر حتى تاريخه!

* نشر في جريدة الجزيرة (بتصرف من الجريدة وقد حذف أكثرهـ)الأحد 28 ذو الحجة 1428   العدد  12883
http://www.al-jazirah.com/414418/rj7d.htm