همزية ابن إدريس


همزية ابن إدريس


أديبنا الكبير والشاعر المبرز القدير الشيخ الجليل عبدالله بن إدريس بأريحيته وسليقته ونقاء ضمير وعفوية واقتدار قلَّ نظيره جاءت قصيدته العصماء المعنونة بـ ((بشرى الشفاء)) المنشورة الأربعاء 6 محرم 1431هـ في العدد 13600 والتي قالها بمناسبة عودة صاحب السمو الملكي ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء الأمير سلطان وبرفقته صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز.
فشاعرنا يتدفق صفاء وحناناً وأريحية قال قصيدته والتي تعبر عن مشاعره وأحاسيسه القلبية ليس فيها تكلف ولا تزلف لأنه لو تكلف أو تزلف لما جاءت هكذا تدخل وتتغلغل في الروح دون واسطة حتى لتكاد أن تكون حديث الروح فتسري في الأرواح وشاعرنا معدود في مقدمة فحول الشعراء في هذا العصر فجاءت نغماً متناسقاً مع الهوى حتى صدق فيها قول القائل:
          أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى
                             فصادف قلباً خالياً فتمكنا
فحين بدأ مطلعها بقوله:
          بشرى شفاؤك للنفوس شفاء
                             ولنا بأوبك فرحة وهناء
فقد بدأ بالبشارة فهي تبشر بخير فهذه قمة في البلاغة العربية والاقتدار الفطري الخالي من التصنع لأنك لو سألت إنسان عن صحة آخر فأجابك بقوله صحته في تحسن يجعلك في قلق تنتظر الخبر بخلاف لو قال لم في تحسن صحته لا شك أنَّ هذا شفى غليلك وبرَّد قلبك وكقول الشاعر:
          ((بالبر صمت وبنعمة الله تفطر)) قدم ما يسر المخاطب وهذه غاية في البلاغة بخلاف لو قال: صمت بالبر.
والبيت الثاني:
          سلطان يا رمز المحاسن والسنا
                             ومكارم الأخلاق فيك تضاء
أظن الشاعر لو قال
          ومكارم الأخلاق منك تضاء
لاشك أقوى وأليق بمقام المخاطب أن يقول ((منك)) بدلاً من ((فيك)) فيكون المخاطب منبع الأخلاق ومصدرها وكأني بشاعرنا الكبير أراد أن يقول ((منك)) ولكنه خشي من متنطع يقول له: هذا غلو،وما أكثر المتنطعين الحرفيين الظاهريين الذين ليس لهم اهتمام بأساليب العرب ولا علم لهم بالبلاغة العربية.
والبيت الثالث:
          مذ غبت عنا والهواجس شرع
                             بمخاوف أن يعتريك ضناء
فالهواجس شرع تعني أنَّ المخاطب صار هم الشاعر وهاجسه الذي قض مضجعه فيمسي ويصبح لا يفكر إلاَّ في عودته سالماً.
والبيت الرابع:
          سلطان يا غيثاً تواثب ودقه
                             وزهت به الربوات والأرجاء
فسلطان غيث يغيث القلوب والنفوس وليس مطراً يحتمل النفع والضر لا بل هو غيث كله خير وزهت به الربوات والأرجاء وليست الجبال لأنَّ الجبال في الوصول إليها مشقة لكن غيث المخاطب سهل ميسر على الربوات وفي سائر الأنحاء يرعى بلا تكلف ولا مشقة فهو ليس في الجبال الوعرة.
والبيت الخامس:
          عش في القلوب وفي المحاجر بلسماً
                             ولك السعادة موئل وغناء
فمحل المخاطب القلوب وهو بلسم العيون بل تقر به العيون والحمد لله الذي أقر أعيننا بسلامته.
واليت السادس:
          فالناس تكبر من تفيض بوجهه
                             روح السماحة..والرضا وضاء
فالسماحة تفيض بوجهه ومن وجهه كالعذب السلسبيل فتغمر من حوله طيباً وسماحة ورضا.
ثم التفت إلى صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز قائلاً:
          سلمان يا رمز الوفاء سجية
                             تعنو لك العليا والأضواء
فجعل العلياء تعنو له ولم لا تعنو له والوفاء فيه سجية بل هما توأمان بل وأبناء عبدالعزيز كلهم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها.

          وقد صدق شاعرنا في كل ما قاله لا فض فوه وخاب من يجفوه ورحمت أمه وأبوه.

 

بقلم / محمد بن عبدالرحمن بن حسين آل إسماعيل

 * نشر في جريدة الجزيرة الأحد 14 ربيع الأول 1431   العدد  13667
Sunday  28/02/2010 G Issue 13667
http://www.al-jazirah.com/89905/rv2d.htm