نحن وفعل الخير


نحن وفعل الخير


فعل الخير شي جبلنا عليه في بلاد الإسلام فالبعض يفعل الخير تقرباً إلى الله وابتغاء مرضاته وشكراً على نعمه والبعض يفعله فخراً ورياءً أو سمعة ولكل امرئ ما نوى كما في الحديث الشريف وكما قال الشاعر:
          من يفعل الخير لا يعدم جوازيه
                             لا يذهب العرف بين الله والناس
وإن وجد من لا يفعل الخير من القسمين فهذا شاذ وقد حرم نفسه ثواب الله وحرم نفسه الذكر الحسن ومع الأسف هذه الظاهرة عدم حب الخير لم تكن معروفة من ذي قبل إنما جاءت مع تجار الطفرة ولسان حال هؤلاء يقول: ((أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلاَّ في ضلال مبين)) 47 يس
وعلى كل حال من أعطى أعطى نفسه ومن حرم حرم نفسه ولكن المهم هو وصول الخير فهل يصل إلى أهله ومستحقيه وهل تبرأ الذمة بتسليم المال لكل من تصدر بدعوى أنه فاعل خير. أقول: لا لابد من التعامل بالدينار والدرهم وعدم الاكتفاء بالظاهر والألقاب أو كما قال عمر رضي الله عنه فيعرف الرجل ويمتحن بالدينار،والتاريخ لم يترك شيئاً فقد كان للسابقين طرق وتفنن للاستيلاء على الصدقات والمبرات فمنها الظهور في زي الصالحين مع وجود جمع من المحتالين شركاء مهمتهم تزكية هذا الرجل لدى أهل الجاه والمال على طريقة الشرط أربعون…الخ فيقولون الناس بحاجة ماسة وفي ضعف ويعرفون حبكم للخير وسابقتكم إليه وقد ضعفت هذه الأيام الذمم وقل الخازن الأمين ولكن فلاناً وإن كان غير مرضي عنه في بعض سلوكياته كما تعرفون أو يعرف غيركم ولكن جربناه فلم نر مثله في الأمانة والنزاهة فربما تصدق بغداء أولاده فنرى أن هذا أولى من يولىَّ على أعمال الخير.
وهناك طرق أخرى وهي ذهاب بعض المحتالين إلى الهند والسند ويتفق مع أحد المحتالين هناك فيلبسه زي الفقراء والنساك ثم يخرج معه إلى الشارع وفي يد المحتال مبخرة معلقة في سلسلة فيها مصطكي ويمشيان بسكينة ووقار ويقولان للناس اذكروا الله وحدوه صلوا على النبي.
فإذا عرف الناس الطيبون أن هذا قادم من جزيرة العرب اعتقدوا فيه الصلاح لأنه جاء من الحجاز من جوار النبي صلى الله عليه وسلم فيتسابقون بل ويتدافع المساكين لإعطاء هذا المحتال زادهم الذي هم في أمس الحاجة إليه.
          أمَّا بعد الطفرة المالية فقد أخبرني العم ع.ع رحمه الله قال جاءني زيد وهو إمام جامع يعظ الناس ويعلمهم الخير ويعرف بأنه كريم يقول أكثر من زيارته لي: وفي كل مرة يخبرني عن أعمال الخير التي يقوم بها نيابة عن المحسنين يقول حتى وثقت فيه فأعطيته مبلغاً كبيراً ليبني مسجداً وبعدها انقطع عني وأصبح يتهرب مني فلمَّا ترصدته وسألته قال لقد وسعت بها المسجد الذي أقوم بالإمامة فيه. يقول العم صدمت نفسياً ولمَّا أخبرت فلاناً قال لي: هذا محتال كذاب كبير بل عرف بكثرة أيمانه الفاجرة يعني يمين الغموس.
ثم قال لي: هذا الشيخ إذا أراد إصلاح شيء في المسجد أرسل صور الفاتورة إلى كل التجار في الداخل والخارج ثم إنه يقوم بإصلاح ما أراد إصلاحه مما جاءه من محسن واحد أمَّا بقية الطرق فالله أعلم بها لأنَّ الناس يحبون الخير خاصة في أول الطفرة فكل ينفق هذا يعطي وهذا يعطي فالإصلاح في المسجد يكفيه ما دفعه واحد من المحسنين أمَّا بقية المبالغ التي ساهم غالب المحسنين فالله أعلم بمصيرها. انتهى ما حكاه لي العم ع.ع فقلت له: أخبرني به كي أحذره قال: هذا سر سأقوله لك فيما بعد والعم ع.ع ثقة ثقة رحمه الله وغفر له. إذاً يجب علينا التحري في وصول الخير إلى أهله حتى لا نندم ونقع في شك وحتى لا نشكك في كل الناس فإنَّ أمة محمد في خير وإلى خير ولو خلت لخربت فالأرض عامرة بالأمناء والصادقين والنزيهين وأرى أنه من حق أي رجل أن يتقدم إلى أي جمعية وإلى أي متكفل ويناقش عن مصير هذه الأموال وأين ذهبت وكيف ذهبت. هذا والله من وراء القصد. 
 

كتبه خادم أهل العلم 

محمد بن عبدالرحمن بن حسين آل إسماعيل

* نشر في جريدة الجزيرة الجمعة 12 ربيع الأول 1431   العدد  13665
Friday  26/02/2010 G Issue 13665
http://www.al-jazirah.com/96726/is1d.htm