القاضي العادل الشيخ عبدالرحمن آل عمير


القاضي العادل الشيخ عبدالرحمن آل عمير


علماء عرفتهم
القاضي العادل

عبدالرحمن آل عمير

 

          الحديث عن شيخي وأنا متهم فيه لأنَّ الحب يعمي ويصم أو كما قالوا: وعين الرضا،ولكنها الأمانة شاهد عليها كل من تعامل مع هذا الرجل،ولا نقول والعود في أرضه نوع من الحطب لا بل إنَّ الله سوف يسألنا لأننا شهداء الله في أرضه.
          شيخنا الشيخ عبدالرحمن بن الشيخ عبدالله آل عمير رحمه الله شخصيات في شخصية لا يمله جليسه تتحول الساعات معه وكأنها لحظات رجل لا يهتم بشكله أو لباسه فهو مقتنع بأنَّ البذاذة من الإيمان فالعبرة بالجوهر لا بالمظهر فكم خدعنا بأشكال وهيئات.
سيما شيخنا التواضع ولكن في غير مذلة قالوا وكان أبوه كذلك قمة في التواضع والتودد للناس شيخنا يألف الناس ويألفونه والمؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ويؤلف. سمح حسن العشرة وهكذا كان صلى الله عليه وسلم.
          ولد شيخنا في شرقي حي النعاثل قرب شارع السويق عام 1339هـ ونشأ في بيئة علمية فأبوه وجده كلهم قضاة ومحل ثقة من الحكام ومن الناس فنشأ في بيئة علمية فأعمامه وإخوانه كلهم علماء فعاش في مجتمع يعتني بالعلوم الشرعية والعلوم اللسانية فأسرته لها عناية باللغة العربية فهم علماء فقهاء وأدباء وشعراء وهم أسرة شافعية المذهب ولكن الحي الذي نشأ فيه مالكية وفيهم حنابلة يجمعهم الحي والمسجد فكان شيخنا صاحب ذكاء وقاد قال الشعر في سن مبكرة درَّس في المعهد العلمي وبعد ذلك كلف بقضاء الجبيل عام 1377هـ ثم قدم خطاباً إلى رئيس القضاة وشيخ المشايخ المفتي الأكبر سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله قدم له خطاباً يطلب فيه الإعفاء من القضاء ليبقى بجوار والده المسن الذي هو بحاجة إليه مع أخويه الشيخ أحمد والشيخ عبداللطيف ولكن الشيخ محمداً لم يقبل بذلك ورد عليه بخطاب يؤكد له التزامه بالقضاء وعدم الموافقة على طلبه والخطاب والجواب عليه في فتاوى سماحته الجزء الثاني عشر في صفحتي 302 ، 303 وعمل في قضاء القطيف إلى أن أحيل إلى التقاعد عام 1406هـ.
          شيخنا تولى القضاء بنزاهة تامة ولم يكوِّن له ثروة ولا عقاراً إنما الذكر الطيب لدى كل من عرفه في الجبيل والقطيف والأحساء وغيرها بل عرف بحكمته في القضاء ونزاهته.
          ومن قصص شيخنا رحمه الله أنه ادعى رجل على آخر بمسبة وطالب بالحكم بالجلد عليه يقول شيخنا رحمه الله إنَّ المدعي والمدعى عليه من قوم كرام ومن ذوي الهيئات و المرؤة ولكنَّ الشيطان دخل بينهما وعزَّ عليَّ الحكم بجلد الرجل ففكرت في حيلة حيث إني طلبتهما للحضور فلما حضرا طلبت من الكاتب أن يستفز صاحب الدعوى ويستثيره وشيخنا يرقب ما يدور يقول فاستفز المدعي وغضب وتلفظ بألفاظ في حق المدعى عليه يقول شيخنا عندها فرحت بذلك فدخلت عليهم وقلت للكاتب اضبط اضبط فقال المدعى عليه هل سمعت يا شيخ ماذا قال قال شيخنا نعم والله لقد سمعته عندها أَسقط بالمدعي ثم قلت حكمنا على كليكما بالجلد أنت وخصمك عندها انتبه المدعي لحيلتي ثم قال فعلتها يا شيخ قلت: نعم فعلتها والآن أخرجا متصالحين ولا تعودا إلى المهاترة وإن أردتم الحكم فالحكم يقضي بجلدك وجلد خصمك يقول شيخنا في ذلك اليوم تغديت غداء هنيئاً ليس له مثيل.
          شيخنا من السهل الممتنع فيه تواضع جم وفيه عزة نفس ليس لها مثيل وفيه صلاح وتقوى وهو الشاعر الذي لا يجارى ولا يبارى وهو الفقيه وهو المفسر وهو الأديب وهو اللغوي وهو المؤرخ وهو الحافظة وهو الفصيح عنده حضور بديهة ويتكلم وكأنه يقرأ من صحيفة يحفظ الشواهد اللغوية والأدبية مع خفة ظل ومرح ودعابة ومفاكهة لا تمل مع هيبة ووقار خاصة إذا اجتمع مع صهره أبو نعيم رحمهم الله.
          شيخنا فيه جاذبية مغناطيسية غريبة إذا تكلم في فن ظننت أنه لا يحسن غيره قوي العارضة صادق اللهجة عرفته وأنا طفل وتوثقت علاقتي به وكان مجلسي يتشرف به ضحى كل جمعة فيحضر الشباب ومن يبغي الفائدة والشاردة إلى مجلسي وذلك من أجل شيخنا رحمه الله.
          شيخنا فيه سماحة ليس لها مثيل واسع الصدر يسع قلبه كل الناس على كبر سنه فإنه يحب مشاركة الناس أفراحهم وأحزانهم زارنا وزير الشؤون الإسلامية السابق ودعوناه وحضر وشارك بقصيدة،وزارنا سماحة المفتي الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ فدعوناه وحضر وشارك بقصيدة ودعانا صاحب السمو الملكي الأمير عبدالرحمن بن عبدالعزيز في مزرعته واتصل بي الأخ الكريم سليمان بن عبدالرحمن الحماد وقال بلغ الشيخ عبدالرحمن الدعوة فبلغته ولبى وحضر وشارك بقصيدة رجل كهذا في أريحيته وسماحته وتواضعه ومتانة علمه يعد من النوادر.

لقد أصيب شيخنا بنوبة قلبية وتوفي على إثرها وتوفاه الله يوم السبت 30/11/1423هـ وصلينا عليه ودفن في المقبرة الشرقية المسماة مقبرة الصالحية وبكيته بكاء لا مثيل له وبكاه الجمع الغفير الذين حضروا للصلاة عليه ودفنه وإن القلب ليخشع وإن العين لتدمع ولا نقول إلاَّ ما يرضي الرب وإنا بك يا عبدالرحمن لمحزونون لقد فقدت الأحساء بموته علماً وإماماً ضرب المثل الأعلى في النزاهة والورع ولم يجمع ديناراً ولا درهما ولم يحتقر ضعيفاً ولا صغيراً ولم يتجبر ولم ينتصر لنفسه رحمه الله رحمة واسعة وقد خلف من الأبناء الأخ العزيز الفاضل أحمد وعبداللطيف وعبدالله وعبدالعزيز وابنتين. وقد ألفت كتاباً باسم المقامات العميرية وألقيت مقدمتها في سبتية العميد عبدالعزيز آل موسى رحمه الله بحضور جمع وفيهم الأخ الدكتور محمد بن عبدالرحمن آل عمير.     

كتبه خادم أهل العلم
محمد بن عبدالرحمن بن حسين آل إسماعيل