المال في الإسلام


المال في الإسلام


في هذه الأيام عمَّ الغلاء كلَّ شيء وارتفعت الأسعار ارتفاعاً فاحشاً وصار الناس فريقين فريق أهل الثراء وتكدس الأموال والفريق الأكثر هم الفقراء الذين يكادون يموتون جوعاً وانعدمت الطبقة الوسطى ولم يكن هذا من قبل بل كانت حياة الناس فيها التدرج الأثرياء وهم قلة والوسطى وهم الكثرة الكاثرة والفقراء وهم قلة وبُعْدُ الناس عن تطبيق الإسلام في المال جعلهم يقعون في فخ الرأسمالية.
والرأسمالية هي السبب في قيام الاشتراكية فقد نشأت في زبالة الرأسمالية وجعلت الثروة للدولة وليس للشعب شيء فادعت أنها تقضي على مفاسد الرأسمالية ولكنها حوَّلت الشعب كله إلى فقراء وعاملين للدولة وهذا جعلهم لا يحرصون على الإنتاج مادام أنَّ التسويق من شأن الدولة فانعدم الإخلاص وعم الفقر والإسلام دين وسطي ليس هو رأسمالياً ولا اشتراكياً في الإسلام المالُ مال الله أنت مستخلف فيه له طرق شرعية كسبية. في الإسلام مبدأ ((من أين لك هذا))
فالمال في الإسلام له طرق مشروعة لجمعه وطرق مشروعة لإنفاقه وجهلها غالب الناس في هذه الأيام فظنوا أن الإسلام أعطى الإنسان الحرية المطلقة في طرق كسبه وطرق إنفاقه ولو أنَّ الإنسان أعطي الحرية في التصرف في المال لصار الناس كالسمك يأكل قويه الضعيف والمشكلة أنَّ الكثيرين يجهلون نظام الإسلام الإقتصادي فبعضهم من أجل أثرته وجشعه وبعضهم مضلل لا يدري فيظن أنَّ الرأسمالية هي نظام الإسلام بل حتى أنه لما ارتفعت الأسعار حين حدثت الطفرة الإقتصادية وأقول طفرة لأنها غير مدروسة والآن نحن نجني عواقبها السيئة والمرة
ولما حاولت الدولة أعزها الله التدخل في تسعير أجور المنازل وبعض البضائع لجأ التجار الجشعون إلى بعض العلماء مهيجين لهم بحجة أننا أحرار في أموالنا وحلالنا وأنَّ التسعير تدخل في حياتنا بل هو الاشتراكية ومع كل الأسف كان الكثير من العلماء آنذاك لا يعرفون النظم المالية حق المعرفة فانطلت عليهم الحيلة وسارعوا إلى إنكار التدخل في شؤون التجار وأنَّ التدخل في شؤونهم إن هو إلاَّ الاشتراكية ولذا فقد ذهب ضحية هذا الفهم كثير من الفقراء بل أعرف أنَّ بعض المستأجرين أصيب بالجنون لأنه فوجئ بأنَّ صاحب المنزل أخرج أثاثه بحكم شرعي وبفتوى شرعية وأخذوا بحديث المسعر الله على ظاهره دون النظر إلى النصوص الأخرى التي تجمع بين نصوص الشريعة التي جاءت صالحة مصلحة لكل زمان ومكان وأذكر أنَّ فضيلة الدكتور الشيخ محمد بن أحمد الصالح نشر بحثاً في حكم التسعير ونشر في مجلة البحوث الإسلامية يتماشى مع روح الشريعة الإسلامية بفهم الفقهاء أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية والمحقق ابن القيم وغيرهم رحمهم الله ممن سبق من سلف هذه الأمة وممن جاء بعدهما.
أعود إلى بيت القصيد وهي أنَّ جشع بعض التجار وطمعهم وحرصهم على الحرية المطلقة في المال دون قيود ولا رقابة مع جهل بعض العلماء بالنظام الإقتصادي صار هناك بعبع يُخوَّفُ به العلماء وهو أن كل تدخل في تنظيم المال والتجارة يبادر بسرعة بأن هذه هي الاشتراكية تطل برأسها وهكذا يترك القوي يأكل الضعيف كما يفعل السمك في البحر حتى ليكاد الفقراء أن يداسوا بالأقدام وتقام عليهم الحجة لماذا هم فقراء ويتحملون مسؤولية فقرهم ويصير المال بيد حفنة من البشر إلاَّ ما شاء الله وصدق الله: (وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلاَّ في ضلال مبين )) 47 يس
ولو أنًّ الناس التزموا بشرع الله في المال لما وجد محتاج ولو أخرجت الزكاة فقط لما وجد محتاج فكيف وهناك حقوق للمسلم على المسلم في المال بينها القرآن الكريم والسنة المطهرة.
وحتى لا نقع في فخ من قست قلوبهم ونزعت منها الرحمة ممن يحاولون التلبيس على من قصر علمه وإدراكه
فنقول من علامات الرأسمالية المقيتة التي ساهمت في انتشار الفقر الآتي:
 الرأسماليون يصابون بنوع من السعار في جمع المال والتسابق من أي وجه وعلى أي وجه مشروع وغير مشروع وصدق صلى الله عليه وسلم حين قال: ((تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس عبدالخميصة تعس وانتكس    الخ))
الرأسماليون يتجاهلون حقوق الله في المال.
ومنهم من يساهم في عمل خيري وهو بهذا يقيم الدنيا ويقعدها ويخرج له المطبلون عن قصد وعن غير قصد تزكية لهذا المحسن الذي إن عمل عملاً خيرياً فإنه لا شيء بالنسبة لما يكسبه من ثروات خاصة بعد عمل هذا المشروع الذي يجعله طعماً ليسمن أكثر فأكثر فهذا المشروع الذي عمله لا يساوي خردلة مما يكسبه قبله وبعده فهذا العمل ليس إلاَّ دعاية ليأخذ بها شهادات وتزكيات أنه من عباد الله الصالحين،ثم تكون هذه الشهادات أداة للتوسع وللتخويف فقد جاوز الهامور القنطرة.
هذا الأخطبوط يضع يده في يد مجموعة ممن هم على شاكلته للتلاعب في الأسواق والأسهم بحيل شتى تسحب المال من الساحة ومن الطبقة الوسطى حتى لايبقى إلاَّ فقراء بلا حسيب ولا رقيب وهذا مشاهد مع الأسف كل هذا باسم الحرية في الإسلام.
و مع هذا تنعدم الرحمة وتسود الأثرة قال صلى الله عليه وسلم : ((تكون إبل للشياطين وبيوت للشياطين)) قال أبو هريرة رضي الله عنه فأمَّا إبل الشياطين فقد رأيتها يخرج أحدكم بنجيبات معه قد أسمنها فلا يعلو بعيراً منها ويمر بأخيه قد انقطع فلا يحمله. ونحن نعيش هذا الواقع فعلى العاقل أن يعي أن المال وسيلة لا غاية وأنه ليس من حق أهل الثراء السعي إلى تمزيق المجتمع وتحويله إلى طبقتين متنافرتين على أساس مادي يحل محل الطبقية في النسب ويقاس المرء بما يملك بغض النظر عن طريقة  ما يملك هذا والله من وراء القصد.
 
كتبه خادم أهل العلم

محمد بن عبدالرحمن بن حسين آل إسماعيل

* نشر في جريدة الحياة (بتصرف من الجريدة وقد حذف أكثرهـ) الأربعاء 30 جمادى الأولى 1429هـ الموافق 4 / 6 / 2008م http://www.alhayat.com/letters/06-2008/Item-20080603-4f94d24f-c0a8-10ed-0165-7e5a79d232e5/story.html * ونشر في جريدة الاقتصادية الاثنين 1430/3/26 هـ. الموافق 23 مارس 2009 العدد 5642 http://www.aleqt.com/2009/03/23/article_207434.html