اخطب لبنتك


اخطب لبنتك


اخطب لبنتك
 
هذه العبارة تتكرر على ألسنة كثير من إخواننا المصريين وهي صحيحة نعم اخطب لبنتك لأنَّ واقع الناس أنَّ الخطبة للبنت امتهان وابتذال وعرض للبنت وكأنها معيبة ويعد نقصاً لدى الأذواق السائدة والذي يبحث لبنته عن الرجل الكفء يعير بأنه يعرض بنته خشية من بوارها ولكن هذا الفهم فهم سمج معوج بعيد عن الفطرة وبعيد عن الدين
يقضى على المرء أيام محنته
                   حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن
وفي الحقيقة أنَّ البحث عن الرجل الصالح للبنت واجب فهي أمانة في ذمة وليها يغلب عليها الحياء فهي لا تخرج عن طوع ولي أمرها ونظرة وليها تختلف عن نظرتها.
          وحال الناس في الغالب أنهم يبحثون عن الشاب الذي يحمل مؤهلاً علمياً عالياً وإن كان هذا الشاب لا يحسن معاشرة الناس ولا يحسن السلام على الناس ولا يكاد يبين ولا يعرف كيف يتعامل مع الرجال ولا يعتني بالشيم والعادات والتقاليد المحمودة ولا ترى عليه سيماء الرجولة حتى إذا جلس في مجلس الرجال وضع رجلاً على رجل وأمام والده وأمام ضيوف والده وربما أمضى زمن الجلوس وهو يفرقع أصابعه ويعبث بأصابع قدميه ومع هذا فهو يحمل شهادة عليا.
          ويبحثون كذلك عن زوج لبنتهم أبوه من أهل الثراء والوجاهة أعني ثراء ووجاهة الطفرة أعني تجار هذه الأيام الذين لا يعرفون شيئاً من مكارم الأخلاق ولا شيئاً من الشيم إنما يعرفون كلمة ((هذا شيك مفتوح اكتب ماتريد)) فالحياة عندهم بيع وشراء حتى الزواج بيع وشراء حتى إذا أصاب هو أو ولده أحداً بحادث أخرج الشيك من جيبه فلا يرى قيمة للناس ولا لكرامتهم ولا لأرواحهم فهو خلو من الفضيلة والمشاعر النبيلة فهو يستطيع أن يشتري بماله الذمم ويستطيع أن يشتري بنات الناس بماله فالناس يحبون أن يزوجوا ابن هذا الثري ولكن الابن المسكين لا يعرف عن حياة الناس شيئاً لا يعرف إلاَّ السهر في الليل والنوم في النهار وعنده أرقام وهواتف المطاعم والفنادق في الداخل والخارج فحياة البهائم خير من حياته فمثل هذا يتمتع بالزوجة التي اختاروها له ثم يركنها إلى جنب ويتطلع إلى غيرها والمسكينة إذا عاتبت رد عليها أستطيع أن أتزوج كل يوم أربعاً وأطلقهن أمَّا ولي أمرها الأحمق فإنه يقول لها: اصبري هذا غداً يصير رجلاً وغداً يرث أموال والده وسوف تسعدين سعادة تنسين هذا الشقاء.
          أقول هؤلاء الأولياء عقولهم بهيمية معيشية.
          فرحم الله التابعي الجليل سعيد بن المسيب القرشي الذي يخطب بنته فاطمة الوحيدة يخطبها عليِّة القوم بما فيهم ولي عهد الخليفة عبدالملك بن مروان الوليد فيرده سعيد ويتحمل إزاء رده ما تحمل من إيذاء حسي ومعنوي وكان عنده في طلابه عبدالله بن أبي وداعة الرجل الفقير المغمور الذي غاب عن حلقات الدرس وذلك لموت زوجته فيدنيه سعيد منه ويعرض عليه الزواج ببنته فاطمة وفعلاً زوجه إياها.
وذلك لأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه إلاَّ تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير. وأحسن من حكى القصة بأسلوب جميل أستاذنا مصطفى صادق الرافعي رحمه الله في كتابه النفيس من وحي القلم المجلد الأول من ص84- ص91 .
          نعم يجب أن يبحث الولي عن الشاب التقي النقي الوسطي في كل أموره المعتدل في تفكيره وليس بشرط أن يكون ذا مؤهل عالِ أو أنه من بيت ثروة إنما المهم تمسكه بأهداب الفضيلة وبالسلوم والشيم العربية التي جاء بها الإسلام وأيدها الإسلام ولكن السؤال من يعلق الجرس؟
فإذا لم يعلق العلماء الكبار الجرس فإذا لم يكن كبار القوم هم القدوة فلن يصير شيء ويكون حالنا حال الخطيب الذي يحث الناس على الانفاق فلما ذهب إلى بيته وجد ابنه ينفق فقال: يابني هذه الخطبة ليست لكم إنما هي للناس.
          فهي راجعة إلى المقولة التي تقول خذ من علمه ودع عمله الخ.
فأقول بئس بها من مقولة وبئس بمن قالها لا بارك الله فيه ولا كثر من أمثاله هذا مع أن الساحة مليئة من هذا النوع.
هذا والله من وراء القصد.
 
كتبه خادم أهل العلم

محمد بن عبدالرحمن بن حسين آل إسماعيل

* نشر في جريدة الجزيرة السبت 14 ذو الحجة 1431  العدد  13932
Saturday  20/11/2010 Issue 13932
http://www.al-jazirah.com.sa/20101120/rj4d.htm