المشاء بالنميم


المشاء بالنميم


ليس هناك أقبح من خصلة ذميمة ألا وهي (النميمة) ويأتي قبحها لأنها مفتاح الفتن والشرور بين الناس وثانياً لأنه ربما تعاطاها من يظن فيهم الخير.
قال الراغب رحمه الله النم: إظهار الحديث بالوشاية والنميمة الوشاية ورجل نمام قال تعالى: ((همَّاز مشاءٍ بنميم)) القلم11.
وأصل النميمة: الهمس والحركة الخفيفة الخ وفي الغالب أنَّ النمام مثير للفتنة قال الله تعالى: ((والفتنة أشد من القتل)) ويكمل الثنتين الغيبة.
إذاً النمام اغتاب وأثار الفتنة قال الله تعالى: ((ولا يغتب بعضكم بعضاً)) قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يدخل الجنة نمام)) متفق عليه.
ومبنى الثلاث على الكذب وهذه كلها تؤدي إلى الفسوق وهذه الصفات لا تكون إلاَّ في من أصيب بمرض نفسي، وأصحاب الشيم الأبية والعقول المستنيرة بنور الفضيلة لا يمكن أن تكون فيها واحدة من هذه الخصال ويعرف العلماء العاملون والعلماء الربانيون بأنهم لا يجالسون من فيه خصلة من هذه الخصال وهذا ما جعلهم يقلون من مخالطة الناس لأنهم لا يستطيعون التحكم في المجالس خاصة وأنَّ هذه الأدواء أصبحت تنتشر في هذا العصر أكثر من ذي قبل ويدخل بها الشيطان بمدخل النصيحة والإخلاص للسمَّاعين.
أمَّا الذين اعتادوا على الصدق وصفاء السريرة فإنهم لا يمكن أن يكذب عليهم كاذب فعندهم من الفراسة ما يجعلهم يكتشفون الكذاب من أول جلسة ولقد كان والدي رحمه الله صاحب فراسة صادقة حتى لقد كنت في سن المراهقة أثني عنده على رجال فكان يحذرني ويقول رحمه الله لا تستعجل سوف ترى بعد أيام أنَّ هذا الذي تعتقد فيه الصلاح كاذب وفعلاً مرت أيام وأيام وتظهر مصداقية سيدي الوالد رحمه الله.
أقول: كلما بعد الناس عن الشريعة الصافية كلما كانوا أقرب إلى هذا المرض الفتاك وأذكر أنَّ رجلاً كان يحرص على ملازمة سماحة شيخنا الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله وعليه سيما أهل الخير والفضل ثم لمَّا اكتشف الشيخ أنه كذاب قطع صلته ولم يستقبله ولقد تعاملت مع عدد ممن يعدون من أهل العلم والفضل فوجدتهم يفرحون بنقل الكلام.
وأذكر قصة لواحد ممن زاملتهم سنين طويلة وله مكانة عند طلابه فوجئت به يتقرب إليَّ بالنميمة وينقل لي كلاماً عن إخوانٍ لي من طلبة العلم ولكني لم أعطه فرصة لأني عرفت أنه يريد إثارة الفتنة بيني وبينهم ولكن مع الأسف لمَّا لم ينجح معي ذهب إليهم ونم عليَّ ولكن مع الأسف وجد آذاناً صاغية متعودة على هذا الداء وتغير عليَّ بعضهم وتلونوا ووصلني خبر سعاية هذا القدوة في نظرهم ولكن ولله الحمد لم أنجرف ولم أقل لهم إنَّ فلاناً بدأ بي قبلكم فلمَّا لم يجدني سماعاً ذهب إليكم لأنه مصر على إفساد علاقتنا ولكنه نجح فيهم أمَّا أنا فقد رسب ولم ينجح معي هذه بعض تجاربي.
في أحد الأيام وكالعادة فإني لما كنت في العمل كنت ألتقي يومياً بهذه العينات الشاذة المريضة
يعطيك من طرف اللسان حلاوة
                            ويروق منك كما يروق الثعلب
مرة أحدهم قال لي فلان يتكلم فيك فقلت له جزاه الله خيراً تكفيراً عن سيئاتي قال وهو يحمل عليك ويسعى بك فقلت وما دخلك أنت فأجاب أنا قصدي خير ما أبغي الناس يقولون: أهل العلم يتنازعون. قلت له: أنا أصلح معه فردَّ عليَّ ثانياً. فقلت له: اتق الله يا فلان لو أعطيتك مجالاً لما بقي لي صديق.
ثم بعد أيام تأكدت أنه عند هذا الرجل وقمت بزيارة مفاجأة واستقبلني ذلك الرجل بحرارة واعتذرت له بانشغالي بالوظيفة عن الزيارة وكانت فرحته بزيارتي لا تتصور وأهديته بعض الكتب ثم التفتُ إلى ذلك الواشي وإذا بوجهه صار أسودا من سوء صنعه فلمَّا أردت الخروج صافحته وقلت له: سرك في بئر عفى الله عني وعنك.
ولقد كانت لي علاقة قوية جداً بالشيخ الجليل العالم العلامة عبدالرحمن بن الشيخ عبدالله آل عمير رحمه الله وصداقة مبنية على علاقة الآباء والأجداد وتقوّت معه رحمه الله لما امتاز به من سعة علم في العلوم الشرعية والعلوم اللسانية مع تواضع جم وهو شاعر وحكيم اتصل به أحد الناس وقال لماذا تذهب إلى بيت محمد السماعيل فهو ليس على مشربك فما كان من الشيخ رحمه الله إلاَّ أن غضب ورد عليه قائلاً أنت الذي لست على مشربي رحمه الله وغفر له وقد كتبت عنه ( المقامة العميرية ) ألقيت نبذة منها في سبتية العميد متقاعد عبدالعزيز آل موسى رحمه الله. منذ سنوات وقد حضرها عدد ليس بالقليل وممن حضرها فضيلة الدكتور محمد بن عبدالرحمن آل عمير وسعادة الدكتور الأديب نبيل بن عبدالرحمن المحيش.
أقول: نحن بحاجة إلى مثل الشيخ عبدالرحمن آل عمير رحمه الله.
وأعود فأقول: إنَّ الرجال الذين يستحقون أن يسموا رجالاً لا يعطون مجالاً للنمامين ومثيري الفتن والرجال معادن نعم الرجال معادن حتى إن سمعت فتأول ولا تجعل لك عدواً إلاَّ الشيطان الرجيم وجنوده وخذ بقول الشاعر:
وإن سمعت قيلا
            يحتمل التأويلا
فاحمله خير محمل
            فعل الرجال الكمل
هذا والله من وراء القصد.
 
كتبه خادم أهل العلم

محمد بن عبدالرحمن بن حسين آل إسماعيل

* نشر في جريدة (اليوم) بتَصرف في غير محله أخل بأصل المقال المُرسل للجريدة بأسلوب وصياغة الكاتب التي تمثل فكره ولغته ! وتجدون أعلاه أصل المقال

*  جريدة ( اليوم ) السبت 1429-09-13هـ الموافق 2008-09-13م
العدد 12874 السنة الأربعون

http://www.alyaum.com/issue/article.php?IN=12874&I=615469&G=1