الكفاءة يا حصة 2


الكفاءة يا حصة 2


هناك كذلك الذين يتزوجون من غير بلادهم فإنهم لا يسألون في الغالب عن نسب المرأة لماذا؟
أولاً لأنَّ تلك البلدان ليس عندهم هذا التفريق وإن كان عندهم فهو يختلف فمن كان أصله تركياً فيفتخر أنَّ أجداده باشاوات فهو نسب رفيع وهذه النعرة كنت أسمعها إلى عهد قريب في مجتمعنا بأنَّ آل فلان ذوات ومن بيت باشوات إذاً هم الدرجة الأولى ويأتي بعدهم أهل الثراء ويأتي الجزار فهو يعتبر من أرقى الطبقات هو وبائع الخرداوات هذا مثلاً في مصر.
وبالنسبة إلى مجتمعنا على النظام القبلي وإن الكفاءة في النسب فإنه حتى على هذا القول فإنَّ الكفاءة في الرجل وليست في المرأة بمعنى أنَّ الرجل يتزوج ولكنه لا يزوج فمثلاً يأخذ من أسرة أضاعت نسبها أو جهلته فإنه في هذه الحال لا يزوج بناته أبناء أخوالهم فهو يأخذ ولا يعطي وهذه حال كثير من البادية والأعراب وهذا مبني كما قلت بأنَّ الكفاءة في الرجل وليست في المرأة.
قال في حاشية المقنع للشيخ سليمان بن عبدالله آل الشيخ رحمه الله لا تعتبر هذه الصفات في المرأة فليست الكفاءة في حقها شرطاً للرجل لأنه صلى الله عليه وسلم لا مكافئ له وقد تزوج من أحياء العرب وتزوج صفية وتسرى بالإماء قال ((من كان عنده جارية فعلمها وأحسن تعليمها ثم أعتقها وتزوجها قله أجران)) متفق عليه ولأنَّ الولد يشرف بشرف أبيه لا بشرف أمه. انتهى ج3ص30.
ولأنَّ نبي الله إسماعيل عليه السلام أبو العرب المستعربة أمه جارية هاجر وإبراهيم ابن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أمه جارية مارية القبطية وكثير من الخلفاء العباسيين وآل البيت وكثير من الحكام والملوك عندهم أولاد من أمهات إما جواري أو أسيرات حروب أو بنات ملوك قتل أهلنَّ في الحروب كما حصل في الحرب العالمية والثانية حيث تسلط الحلفاء على الخلافة العثمانية وشبت حروب ضاع ضحيتها كثير من أولاد القبائل شمالي العراق وسوريا وفيهم بنات لزعماء عشائر أحسن إليهن عقيل أهل القصيم وأخذوهن قبل أن يأخذهن الحلفاء الصليبيون فجاؤا بهن وتزوجوهن زواجاً شرعياً لأنهن حرائر حيث أنكر علماء القصيم آنذاك على عقيل لما علموا أنهن بنات زعماء عشائر فقالوا لا يجوز الدخول بهن أو وطئهن إلاَّ بعقد شرعي ونكاح صحيح لأنهن لسن جواري ولا إماءً.
وعلى قول من قال بالكفاءة في النسب قال كذلك أنَّ مولى القوم كفؤ لهم على الصحيح من مذهب أحمد رحمه الله انظر في المصدر السابق.
أقول ومع توسع الناس في الزواج من خارج البلاد تفاجأ كثير منهم بأنَّ أولادهم أبناء خالات هذا على اختلاف الآباء في النسب وتباين طبقاتهم ولكنهم اختلطوا عن طريق النساء.
1- تجد في كتب الأنساب أسراً من طبقات متفاوتة ولكنها تنتسب إلى قبيلة واحدة ولكن لا يصاهر بعضها بعضاًُ إلاَّ عن طريق التسلسل كما ذكرت سابقاً فإنك لو فتشت لوجدت أن الناس متشابكون ومترابطون لكن عن طريق غير مباشرة.
2- تجد كذلك في كثير من المنتسبين إلى قبائل عربية تجد شكاً عندهم فتجدهم ينتسبون إلى قبيلتين وثلاث في آن واحد وتجد هذا مسطراً في الكتب التي يؤلفونها.
3- كذلك غالب النسابين الذين لم يظهروا إلاَّ في هذا العصر تجدهم ينقلون نقل حاطب ليل حتى إنك لتجد في الصفحة الواحدة وفي سطر واحد أسرتين تنتميان إلى فخذ واحد ومن قبيلة واحدة ولكنك حين ترجع إلى الواقع وجدتهم لا يتصاهرون.
4- غالب الأسر المنتسبة انقسمت إلى قسمين قسم لا يصاهر الآخر لأنَّ الآخر تعاطى المهن التي يرون أنها مزرية وهذا كثير جداً.
5- ولكننا الآن وفي هذا العصر وجدنا أنَّ ما يسمى مزرياً في السابق أصبح موجوداً لدى الطبقة المتشددة فإذا دخلت المجمعات التجارية أو دخلت محلات الصناعة وجميع الحرف وجدتها باسم أسر كانت متشددة فإذا ناقشت الموضوع أجابك أحدهم بأنه لا يباشر الحرفة المذكورة بنفسه إنما عن طريق عمال فأرد عليه وأقول كذلك الذين عبتموهم لأجل صنعتهم إذا كبروا وتوسعوا كذلك هم لا يزاولون الصنعة بأنفسهم إنما يضعون لهم عمالاً ومعاونين وكما يقول العامة ((صبه حقنه كله لبن)).
6- ليس في الإسلام ولا في المعاجم العربية مصطلح قبيلي وخضيري ولا قبيلي وبيسري ولأنَّ المصطلح هو ما اصطلح عليه الناس وهذا المصطلح لم يصطلح عليه أحد إنما جاء من طرف ولا يرضى به الطرف الآخر لأنَّ أرض الواقع أتاحت الفرصة للظهور علمياً وتجارياً فبرز قوم علمياً وتجارياً وأخلاقياً ومروءة وشيماً أبية وشهامة وكرماً وإيثاراً وكان لهم دور في تغيير وجه التاريخ ولكن هذه الأسر الكريمة لم تلتزم بشئ في النكاح في الكفاءة إلاَّ أنها الدين وربما تقدم إليهم من يتعز بنسبه ولكنه صعلوك خارج على القيم فإنهم لا يزوجونه مهما حاول فإنَّ نسبه لا يشفع له لأنه نسب مجرد من القيم والأخلاق والفضيلة لأنَّ الحسب تغلَّب على النسب.
7- وإذا اجتمع الاثنان النسب والتمسك بأهداب الفضيلة والتمسك بالشيم والأخلاق الجميلة فبخ بخ خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا.
بقي شيء مهم في النكاح وهو أنَّ الناس في الأغلب الأعم أنهم يتزاوجون بناء على التكافؤ في العادات والطباع والأعراف وهذا ما يسبب الانسجام ونجاح الزواج وليس كل من انتسب صدق بل قد يكون كما قلنا مذكوراً في أهل النسب وفي التحقيق ليس بذاك وكذلك من نُفِي نسبه قد يكون نسيباً فالمعاملات والحياة هي المصدقة ولهذا فإنَّ كثيراً ممن صح نسبهم يأنف أهل النسب من مصاهرتهم لأنهم خرجوا على الأعراف والشيم عند العرب إذاً الاستقرار ليس مربوطاً بنسب ولا بصنعة إنما حسب البيئة وظروف البيئة وأذكر أن أحد الإخوان ممن يعيبون القول بالكفاءة وهو متعلم وتعلم أولاده ولقد كان صاحب صنعة مزرية في نظر الناس لا في نظر رب الناس ففي أحد الأيام قلت له مداعباً أنَّ فلاناً يرغب في الزواج من ابنتك وهو يكسب في اليوم ألف ريال فضحك وهز رأسه قائلاً لا أستطيع فقلت ولم لا تستطيع وصنعته هي صنعة أبيك وجدك فرد عليَّ إخوانها كلهم مدرسون وأخواتها أزواجهن مدرسون فلا يليق بي أن أشق عليها وهي الصغرى فتحقد عليَّ بعدها قلت له: هذا منكم وفيكم ونفس صنعتكم فأجاب الحمد لله أغنانا الله عن صنعتنا فقلت له إذاً الكفاءة لها محل في الشرع ولأنَّ النفوس مجبولة عليها حتى أنت ازدريت صنعة أبيك وجدك وترى في ذلك إهانة ابنتك.
أعود فأقول: الأمر بحاجة إلى وقفة علماء هذه البلاد التي قامت على الشريعة بعيداً عن آراء الرجال وكبار العلماء هم المطالبون بتوجيه الناس قولاً وعملاً للوقوف أمام مثيري النعرات وتقسيم المجتمع ولو رجعنا إلى التاريخ القريب لوجدنا الذي قامت هذه البلاد على أكتافهم من وجهاء ومحسنين وأصحاب الرأي والمشورة في الحجاز وفي القصيم وفي نجد عامة لرأيناهم لا يعرفون هذه النعرات مطلقاً ولو استدعى الأمر ذكرهم لذكرتهم بأسمائهم هذا والله من وراء القصد.
 
 
 
 كتبه خادم أهل العلم

 محمد بن عبدالرحمن بن حسين آل إسماعيل

تابع: الكفاءة يا حصة 1