الكفاءة يا حصة 1


الكفاءة يا حصة 1


قرأت ماكتبته الكاتبة الأديبة الفاضلة حصة بنت محمد آل الشيخ وفقها الله في يوم الاثنين 25 رجب 1429هـ العدد (2859) السنة الثامنة بعنوان (تكافؤ النسب..البلاء القديم الجديد (1)) وفي يوم الاثنين 3 شعبان 1429هـ العدد (2866) السنة الثامنة بعنوان (تكافؤ النسب ..البلاء القديم الجديد (2)).
حول الكفاءة في النسب الطبقي بين البشر وأحب أن أدلي بدلوي وسوف أتحدث إن شاء الله عن حكم الشريعة المطهرة ثم أذكر ما عليه الناس من أمور فيها الموافق للشريعة وفيها المخالف.
أمَّا بخصوص الكفاءة في النسب فإنَّ الشرع لا يعتبر إلاَّ الدين والآية الكريمة والأحاديث الصحيحة الصريحة لا تعتبر إلاَّ الدين ولم يصح حديث بغير ذلك فأهل الحديث وأهل الصناعة أدرى بصناعتهم وهذا هو الذي فهمه السلف الصالح وليس هناك متسع وإلاَّ لاستقصيت الأدلة والشواهد ويكفينا قوله تعالى: ((يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم إنّ الله عليم خبير)) وقد ترجم الإمام البخاري في صحيحه الذي هو أصح كتاب بعد كتاب الله بقوله ((باب الأكفاء في الدين)) وقوله ((وهو الذي خلق من الماء بشراً)) الآية ثم ساق البخاري من الأدلة ما يدل على أنَّ الكفاءة هي الدين لا غير وقال عليه السلام يا بني بياضه انكحوا أبا هند وانكحوا إليه وكان حجاماً،وزوج عليه الصلاة والسلام زينب بن جحش القرشية من زيد بن حارثة مولاه،وزوج فاطمة بنت قيس الفهرية من أسامة ابنه،وتزوج بلال بأخت عبدالرحمن بن عوف وتزوج سالم وكان مولى لامرأة من الأنصار ابنة عتبة بن ربيعة.
وقال ابن القيم: فالذي يقتضيه حكمه صلى الله عليه وسلم اعتبار الدين في الكفاءة أصلاً وكمالاً فلا تزوج مسلمة بكافر ولا عفيفة بفاجر ولم يعتبر القرآن والسنة في الكفاءة أمراً وراء ذلك فإنه حرم على المسلمة نكاح الزاني الخبيث ولم يعتبر نسباً ولا صناعة ولا حرفة فيجوز للعبد القن نكاح الحرة النسيبة الغنية إذا كان عفيفاً مسلماً قال محرره وهو الحق الذي يجب أن يعمل به. انتهى من السلسبيل في معرفة الدليل تأليف الشيخ صالح بن إبراهيم البليهي الدوسري رحمه الله ج2ص679.
وقد ورد على الشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي التميمي النجدي رحمه الله السؤال التالي وأجاب عليه
س: ما معنى الكفاءة في النكاح؟
ج: لا يطمئن القلب في الكفاءة إلاَّ إنها الدين فقط وهو الذي يقوم عليه الدليل الشرعي بخلاف العوائد والعرف الحادث. انتهى من الفتاوى السعدية ص492 وهو قول المحققين من أهل العلم أمَّا شبهة من يقول: بأن زيد بن حارثة عربي الأصل فنقول نعم ولكن الرق وقع عليه ونقول لهم أنَّ الرق أصله حرب تقوم بين المسلمين والكفار فمن أسره المسلمون كان رقيقاً وحروب المسلمين في العهد الأول كانت مع قبائل العرب وكل من أسر من الكفار وهو عربي قح فقد صار رقيقاً ولا ينفعه انتسابه فكذلك زيد بن حارثة رضي الله عنه.
وهذا هو اللائق بعلماء الدعوة السلفية النجدية الذين رفعوا شعار العمل بالدليل قولاً وعملاً فلو رجعنا إلى الدعوة التي حمل رايتها الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله كانت دعوة تطبيقية مبنية على القاعدة التي استفاضت بعدة روايات أشهرها ((إذا صح الحديث فهو مذهبي)) أمَّا أن يتولى رفع شعار النعرات القبلية الجاهلية علماء وفي بلد الحرمين فهذه بلا شك تعيدنا إلى عهود التصحر فإنَّ العلماء الربانيين الذين جازوا القنطرة فإنهم أرفع وأجل وأسمى من هذه المواقف المخجلة.
لنتحدث عن الواقع ونرى هل يتماشى مع الدين أم لا ؟
أقول: الحكم الشرعي انتهينا منه وهو الفيصل لمن وفقه الله ونور بصيرته.
أما بالنسبة لما عليه الناس في المنطقة الوسطى وجزء من الشرقية والبادية عامة فهناك نظامان نظام قبلي ونظام أسري النظام القبلي ينتهي اسم الرجل بالقبيلة في هويته والأسري ينتهي برابع جد أو خامس جد أو لقب لكن لا ينتهي بذكر القبيلة هذا مع أنَّ هذه الأسر غالبها تنتمي إلى قبائل عربية محفوظة بالاستفاضة أو بصكوك.
فإذا عدنا إلى النظام القبلي فلا نجد الداعي إلى الانتساب هو التميز لا وإنما يفترضه الحال التي تعيشه القبيلة والنظام الذي يربطها لأنَّ القبيلة في الأصل لا ترتبط ببناء مستقر وإنما سكنها الصحراء وتعيش على الرعي والمراعي تختلف من زمان إلى زمان ومن مكان إلى مكان وفي القبيلة نساء وأطفال ولهم أعراضهم وعاداتهم وتنقلاتهم التي تستدعي الترابط القبلي القوي بزعامة متوارثة مسلم بها عندهم كلهم سلباً وإيجاباً ففي تماسكها هيبتها ولهذا تضطر القبيلة الصغيرة أو المجموعات الصغيرة أن تدخل في هذه القبيلة بما يسمى الحلف وذلك من أجل حمايتها من نهب القبائل الأخرى أو التعدي على أعراضها فتحرص القبيلة من هذا الباب ألاَّ تزوج بناتها إلاَّ من قبيلتهم حفاظاً على الترابط والتوازن والانضباط،وهذا تجده في البلاد العربية التي فيها قبائل تعيش في الصحراء متنقلة من أجل الماء والكلأ وكذلك هذا الترابط والانتساب والاعتزاز كذلك موجود في قبائل الهند وفي جبال التبت وفي قبائل أفريقيا مثل قبائل التتسي وفلاَّته وغيرها.
أمَّا النظام الأسري وهو الذي استقراره في بناء وسكن وزراعة وصناعة وحاكم يرجع الناس إليه وبوابات لهذه المجموعات تغلق حين يحسون بخطر هجوم عدوٍ فهم استقروا وهذا التجمع غالبه أسر انسلخت من قبيلتها واستقرت وكونت المدينة فلم تعد ترغب في الترحال ثم تجاورت مع أسر أخرى نزحت من أجل حروب أو قحط وجدب فكونت تجمعات مع مر السنين تآلفت وتشابهت طباعهم فتصاهروا أو كونوا روابط أسرية على شكل حلقات تضم حوالي ثلاثين أو أربعين أسرة وربما دخل معهم وفيهم من ضيَّع انتسابه أو أخفاه أو جهل قبيلته ولكنه لا يختلف عنهم في العادات والشيم والمروءة التي هي من أس الدين وكذلك تجمعت أسر على هذه الشاكلة في أحياء أخرى بنفس الصفة وشاكلهم مع الزمن أسر كريمة قد تكون في الأصل عربية ولكنها من خارج الجزيرة العربية فاندمجوا وتصاهروا ولكنهم لا يختلفون عمن صاهروهم من حيث العادات والشيم والمروءة التي هي من أس الدين.
وكذلك سكنت المدن مجموعات مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالقبائل التي تنتسب إليها وتحت تأثير العوامل السياسية فإنها لم تنصهر مع المجموعتين فمثلت كتلة ثالثة أو رابعة ولكنها ترى أن ما حصل في المجموعات السابقة من دخول أسرٍ فيهم جعل هؤلاء يتشددون في نسبهم هذا كله في السابق ولكنهم مع الأيام لما رأوا أنَّ ارتباطهم بالقبيلة قد يعود إليهم بما يرهقهم لأنَّ الانتساب إلى القبيلة معناه أنك معهم في السراء والضراء تشاركهم في أفراحهم بالمال وفي الديات كذلك تشاركهم. فانفكوا شيئاً فشيئاً ولكنهم بقوا مترابطين لا يقبلون بمناكحة أحدٍ إلاَّ من البادية أو من أصلهم من البادية ولكن مع الزمن أصبحت هذه المجموعات الثلاث أو الأربع يحصل فيها خلاف في تسلسل النسب مما يجعل بعضهم ينتمي إلى القبيلة وبعضهم تجد ثلاثة من أسرة واحدة كل واحد يربط أسرته بقبيلة وهذا موجود والآن وإذا تأملت في هذه المجموعات رأيتها على جانب عظيم من التمسك بالعادات والتقاليد والشيم العربية الأصيلة والتمسك بالمروءة والهدوء والاتزان حتى لكأنهم أبناء رجل واحد ويتفقون على نفي من خرج على العادات والعربية والشيم والمروءة هذا على اختلافهم في الانتساب حيث لا تجدهم يتصاهرون مباشرة ولكن عن طريق التسلسل سواء فيما بينهم أو فيما بينهم وبين غيرهم وهذه الحالات موجودة في سكان الأحساء وقراها واضحة جلية للمتتبع فقد يمتنعون عن المصاهرة مثلا في الأحساء ولكن تجدهم يتصاهرون مثلا في الخبر أو الدمام أو في الخليج أو الطلاب الذين يدرسون في الخارج رجالاً ونساء فيحصل بينهما الانسجام مع الأيام ثم يضعون أهلهم أمام الأمر الواقع فيحصل التزاوج.
وهناك طريقة أخرى وهي موجودة في غالب الأسر وهي التسلسل في المصاهرة فمثلاً زيد يزوج علياً وعلي يزوج عمرواً فيتقدم عمروً ليخطب من زيد فيرده زيد فيحتج عمرو على زيد بأن أصهاري صاهروك فيرد زيد أنت لم تصاهرني إنما صاهرت أصهار أصهاري فاذهب إليهم أمَّا أنا فلن أزوجك. وهذا الترابط غير المباشر كثير جداً فلو استقصيت ذلك الترابط غير المباشر لما كفاني مجلدات ولهذا تظهر هذه الصور في إرث قديم لم يقسم أو في عزاء ودفن ميت فيحصل اللقاء إمّا برضى أو بغير رضى.        
 
 
كتبه خادم أهل العلم

محمد بن عبدالرحمن بن حسين آل إسماعيل

تابع: الكفاءة يا حصة 2