الجار قبل الدار


الجار قبل الدار


نعم الجار قبل الدار كان الناس في القديم يعيشون في أحياء أجيالاً في النعاثل والكوت والرفعة والعيوني والسياسب وغيرها وكانوا يتجاورون من مئات السنين كل حي يمثل لحمة واحدة متماسكة مع اختلافهم في النسب وفي الصنعة أمَّا بعد التوسع العمراني فإنَّ كل ذلك زال وصار الجيران جدداً ومن أحياء مختلفة ومن مدن وقرى متباعدة وقد يكون هناك بعض الاختلاف في العادات والتقاليد هذا ويرى بشكل واضح والجار يبقى هو الجار ولهذا قالوا الجار قبل الدار لماذا لأن الجار ملاصق لك مطلع على عورتك يسمع صوتك وصوت أهلك شاء أم لم يشأ ويعرف مدخلك ومخرجك ولهذا ورد في الحديث الشريف إنَّ عليك أن تبذل المعروف لجارك وأن تكف عنه أذاك وأن تصبر على أذاه فهو أقرب لك من أخيك لأمك وأبيك وكما يقول العامة ((أنت وحظك)) فإن كان الجار من الأجواد ومن الأخيار فإنه سوف ينسب إليك كل خير وسوف يذكر محاسنك ويستر عورتك فسوف يجر لك الخير وإن كان على خلاف ذلك أو أنه متصنع فسوف يخفي حسناتك وسوف يحرص على تتبع عوراتك وإن كان حسوداً فسوف يذمك ويشنع عليك وذلك لضعف دينه فالجار جار إمَّا أن يجر الخير وإمَّا أن يجر الشر وهذا ابتلاء ومصيبة وذلكم بلاء من ربكم عظيم فإن كان من جيران السوء المحسوبين على الأجواد فسوف يذمك ويشوه سمعتك حتى ولو كنت تصوم النهار وتقوم الليل وإن كان من الأخيار فسوف يستر عيبك ونقصك على حد قول القائل:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة
                              كما أنَّ عين السخط تبدي المساويا
ولهذا عليك أن تبحث عن الجار قبل الدار وقد وجد في القرآن الكريم ((ربي ابن لي عندك بيتاً في الجنة)) فقدم العندية على البيتة وإذا ابتليت بجار سوء فكن خيراً منه أبذل له معروفك وكفَّ عنه شرك واصبر على أذاه فإنه أعظم لك أجراً عند الله.
لقد كان أحد الفقهاء يجاوره رجل يسكر آخر الليل فإذا أخذت الخمرة منه ما أخذت أخذ ينشد على السطوح
أضاعوني وأي فتى أضاعوا
               ليوم كريهة وسداد ثغر
فإذا سمع هذا الفقيه جاره قام وتوضأ وصلى ماشاء الله أن يصلي وفي إحدى الليالي لم يسمع صوت جاره ففزع وخرج إلى الشارع فقالوا أنَّ الشرطة أخذوه فما كان من الفقيه إلاَّ أن ركب دابته مسرعاً ليشفع في جاره فلما أخذه و أردفه خلفه التفت إليه قائلاً هل أضعناك يا فتى قال لا والله بل حفظتني وأنا الآن أتوب على يديك فتاب عليه وصار من خيرة طلابه وعلى خلافه أخبرني أحدهم قائلاً كان لنا جيران وكنا نحسن إليهم ونقاسمهم اللقمة ابتغاء مرضات الله فلما انتقلنا من عندهم بلغنا عن طريق الثقات أنهم يذكروننا بسوء فقلت له اصبر فأنت مأجور وهم مأزورون ولا يغب عنك الحديث الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه)) متفق عليه.
من كثرة وصايا جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم بالجار ظن الحبيب أنَّ هذا الجار سيدخل مع الورثة.
وقال صلى الله عليه وسلم: ((والله لا يؤمن والله لا يؤمن)) قيل: من يا رسول الله؟قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه)) متفق عليه. والبوائق:الغوائل والشرور.
ثم تبسمت فقال صاحبي ولم تبتسم قلت:أبتسم لأني أحمد الله وأشكره على نعمه العظيمة ومن أعظمها عندي أنني لم أجاور إلاَّ أخياراً في كل الأحياء التي سكنتها سواء في الرياض أو في الأحساء لم أجاور إلاَّ أخياراً وأسأل الله أن يجمعنا وإياهم بعد عمر طويل في جنته إنه ولي ذلك والقادر عليه.   
  
 
كتبه خادم أهل العلم

محمد بن عبدالرحمن بن حسين آل إسماعيل

* نشر في جريدة ( اليوم ) الأحد 1429-09-28هـ الموافق 2008-09-28م
العدد 12889 السنة الأربعون

http://www.alyaum.com/issue/article.php?IN=12889&I=619180&G=1