سماحة الشيخ الإمام عبدالله بن حميد


سماحة الشيخ الإمام عبدالله بن حميد


الحديث عن سماحة الشيخ الإمام المحقق المحدث الفقيه المدقق خاتمة محققي الحنابلة يعذب ويحلو لا يمل هذا الإمام الجبل الفرد الذي يعتبر حجة في الفقه عامة والحنبلي خاصة أثار إعجاب كل من التقى به في الحرم أو سمع به ألان الله له الفقه كما ألان الحديد لداود عليه السلام فهو مثل المعادن النادرة لا يعرف قدره إلاَّ المختصون والعلماء الناصحون المخلصون صاحب تأصيل متمكن من اللغة العربية أيما تمكن نسيج وحده لا يمكن ينساه من يتعاطى القراءة في كتب الفقه الحنبلي له اهتمام بحكمة التشريع وعلله والذي جعلني أكتب عنه هذه الأيام لأنه ألف عنه كتاب مستقل في هذه الأيام ألفه الأستاذ الفاضل الشيخ صلاح بن إبراهيم الزامل الكتاب يقع في 531 صفحة من القطع المتوسط الناشر دار أبجد للدارسات والنشر الرياض ودار الصميعي للنشر والتوزيع الرياض.
ولي الحق أن أفرح به ولم لا ؟ لأنني ممن كتب عن سماحته في كتابي ((الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ وأثر مدرسته في النهضة العلمية والأدبية في البلاد السعودية والذي طبع الطبعة الأولى على نفقة الشيخ عبدالعزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ والطبعة الأخيرة دار البشائر الإسلامية ببيروت وقد نقل المؤلف هنا ترجمة الشيخ عبدالله بن حميد رحمه الله في الصفحات التالية 225 ، 226 ، 227 ، 228 ، 229.
وهذا العلم كانت له أكبر حلقة فقه في الحرم المكي وهو يشرح كتاب المنتهى وغيره من كتب المذهب الحنبلي بصوته المميز الهادئ ولغته العربية الفصيحة الصحيحة فإذا قرَّر المذهب تقرير محقق أخذ ينقل أقوال المالكية والحنفية والشافعية وينص على الكتب والصفحات مما جعل ذلك محل إعجاب الحجاج والمعتمرين ممن ينتسبون إلى هذه المذاهب ولم يجرب عليه خطأ هذا مع أنه مكفوف البصر ((فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)) فإذا انتهى انهالت عليه الأسئلة العويصة فأجاب عنها مسألة مسألة وكان يعيد سؤال السائل كما أورده السائل وهذا لفطنته وحضور بديهته.
فيجيب إجابات شافية كافية وكان يحضر حلقته كبار العلماء من كل بلد هذا العالم الجليل ولد في جنوبي الرياض في حي يقال له معكال من أقدم أحياء الرياض من أسرة هم بقايا آل حميد حكام الأحساء وشرقي الجزيرة العربية سابقاً من آل عريعر وقد أخبرني الشيخ الثقة الزاهد الشيخ سليمان بن عبدالله آل حماد المحقق بوزارة العدل رحمه الله قال: لم يتزوج محمد آل حميد إلاَّ على كبر وذلك بمشورة الشيخ العالم العلامة عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ رحمه الله فلما وُلد له المولود بعد سنة جاء به وهو في المهد فرحاً إلى الشيخ عبدالله بن عبداللطيف فأذَّن الشيخ عبدالله وأقام في أذنيه وسماه عبدالله وحنكه بالتمر كما هي السنة ودعا له واستجاب الله دعوة الشيخ عبدالله فقد كان يطلب العلم إلى مات لتواضعه الجم فهو يستمع للمتحدث وهو يدري بالموضوع أكثر من المتحدث وهذه سمة السلف الصالح وسمتهم فقد عرف بالوقار والرزانة والفطنة والذكاء والفراسة الصادقة.
وأنصح القارئ بأن يقرأ كتاب المؤلف عن حياة شيخنا رحمه الله ففيه ما يكفي ويشفي.
والشيخ رحمه الله في أموره يعيش الوسطية قولاً وعملاً وحالاً كما هي حال فقهاء الحنابلة ولن تجد عليه أيَّ أثر لتنطع أو غلو بل عنده حب وشغف بأحوال الساعة وهناك من يزوده بأخبار العالم وفي مقدمة هؤلاء الشيخ الفاضل محمد بن ناصر العبودي وهو أحد طلابه المخلصين الأوفياء الذين يثق فيهم شيخنا.
وثوبه فوق العقب وليس إلى نصف الساق وليس هو لباس شهرة لا بل ثوبه مثل أثواب سائر العلماء ولكنه مع هذا لم يسلم من حاسد وناقم فلما كان يخطب في إحدى البلدان قام أحد هؤلاء وقال للشيخ لا سمع ولا طاعة فإنك مسبل والشيخ في الحقيقة ليس مسبلاً بل ثوبه فوق العقبين ولكن لحكمة الشيخ وحلمه لم يكذب هذا الرجل وإنما قال له بلهجة أهل الرياض ((هيت بمقص من بيتك وقص الزائد)) فما كان من هذا الرجل إلاَّ أنْ خجل واعتذر أمام سخط الناس عليه وكانت للشيخ شعبية لدى الخاص والعام وكان مسدداً في كل أموره وقد أحال إليه أحد كبار القوم رجلين في دعوى بينهما وكتب أصلح بينهما فما كان من شيخنا إلاَّ أن أصلح بينهما وبعد مدة أتى شيخنا إلى كبير القوم هذا فقال للشيخ جزاك الله خيراً يا شيخ لقد حكمت بينهما ورضيا فرَّد الشيخ رحمه الله لا لم أحكم بينهما بل أصلحت لأنك كتبت لي أن أصلح ولم تقل لي أحكم وهذا من دقة فهم الشيخ وأمانته وحين كان الرئيس العام للإشراف على الحرمين الشريفين كنت أزوره وأجد عنده الراحة النفسية فتشعر بالروحانية في مجلسه وغالباً بقربه تلميذه ونائبه الرجل القدوة في سلوكه وأخلاقه الشيخ الجليل محمد بن عبدالله السبيل أطال الله عمره فأجد زوار الشيخ من كل مذهب فهو يألف ويؤلف وأحبه أهل مكة عامة وعلماء فهو حكيم في تعامله مع الناس ويراعي مشاعرهم ولا يصادم أحداً ولا يحقر أحداً فكل تصرفه وكتاباته موضوعية لا ذاتية ينصف الناس لا أزال أحتفظ بمجموعة من الكتب أهداني إياها آنذاك منها (1)كشاف القناع عن متن الإقناع ، (2) و المحرر في الفقه لمجد الدين عبدالسلام بن تيمية رحمه الله.
فشيخنا لا يلحن ويكره اللحن وكان من عادة الناس خاصة وعامة أنهم ينطقون أسرة الشيخ هكذا ((احميد)) يبدأونه بألف ساكنه وبعدها حاء ساكنة ولما كنت طالباً في كلية الشريعة كان لي شرف تقديم سماحته في محاضرة في جامع الرياض الكبير الذي في الصفاة فلما قدمته قلت ((سماحة شيخنا عبدالله بن محمد بن حُميد)) ((فضممت الحاء وفتحت الميم)) فرد عليَّ بعض الحاضرين يطلبون أن أقرأ اسمه كما هو شائع على ألسنة الناس فما كان منه رحمه الله إلاَّ قال بارك الله فيك يا ابني أنت أول من نطق اسمي صحيحاً ففرحت وداخلتني نشوة والكلام عن شيخنا يطول ويطول وأحيل القراء إلى الكتاب المذكور ولكني أعتب ولا أدري إلى من أوجه عتبي فالشيخ رحمه الله لم يعرف حقه حياً ولا ميتاً ولم يكتب عنه قبل هذا الكتاب جزى الله كاتبه خير الجزاء وكذلك فتاويه ورسائله وتقريراته حتى الآن لم تطبع فلمن أوجه اللوم إنما طبع جزء من فتاويه محرفة مشوهة في دار ابن القاسم. ولمن أوجه اللوم لماذا لم يوزع منسكه على نطاق واسع في وزارة الحج ووزارة الشؤون الإسلامية لماذا هذا العقوق ومنسكه يجب أن يطبع على نطاق واسع اسمه ((هداية الناسك في أحكام المناسك)) فهو زبدة وخلاصة لا يكفي عنه غيره امتاز بالوضوح ويشير فيه إلى الحكمة والعلة وقد طبع ولكن على نطاق ضيق وجاء متأخراً بدليل أنه لا أحد يعلم عن هذا المنسك شيئاً لماذا لا تطبع منه مئات الآلاف أسوة بغيره من المناسك وهو شيخ الجميع حتى النسخ القليلة التي طبعتها وزارة الشؤون الإسلامية وزعت على نطاق ضيق جداً جداً.
وفي ترجمة الشيخ قصور فقد ترجموا للشيخ بترجمة ذكروا أنَّ الشيخ أخذ التفسير والتوحيد والحديث عن فلان وفلان ولكن لم يذكروا بيت القصيد وهو الفقه وكيف دخل في عداد الفقهاء لو لم يكن فقيهاً درس الفقه وأتقنه وتبحر فيه.
فشكر الله سعي الأخ الفاضل الشيخ صلاح بن إبراهيم الزامل على جهده الذي يذكر فيشكر حيث جمع غالب ماقيل عن سماحة الشيخ الإمام عبدالله بن حميد و ماقيل فيه وكثرَّ الله من أمثاله ونعوذ بالله من العقوق والجحود ونكران الجميل هذا والله من وراء القصد.     
 
 
 
كتبه خادم أهل العلم

محمد بن عبدالرحمن بن حسين آل إسماعيل

* نشر في جريدة الجزيرة الأحد 18 ذو القعدة 1429   العدد  13198
Sunday  16/11/2008 G Issue 13198

http://www.al-jazirah.com/156949/wo4d.htm