من أنا


من أنا


“من أنا”

هذا سؤال يطرحه علي الكثير ممن التقيت بهم في الأحساء وفي غيرها ، ومما يقول بعضهم: الذي يجلس معك يحار فيك،هناك من يقول: بأنك أحسائي نشأت في نجد ، وهناك من يقول: بأنك نجدي نشأت في الأحساء ولايزال كثير من الشباب في الأحساء يسمونني النجدي لأني كثيراً ما أتغنى بقول الشاعر ابن الدمينة:

ألا ياصبا نجدٍ متى هجتِ من نجدِ

لقد زادني مسراكِ وجداً على وجدِ

فاُجيب الأخوة الكرام فأقول : نعم، أنا أحسائي من الأحساء وأنا من الرياض وأنا من بُريدة القصيم ومن المدينة المنورة ومن مدينة عنك في القطيف ومن دير الزور في الشام وأنا أحسائي أعتز بأهلي واخواني أهل الأحساء مُدنها وقراها وأعتز بأهل الحجاز وعسير وجازان وحائل والشمال وبالخليج أعتز بكل مسلم سلم الناس من لسانه ويده أما في الحقيقة فأنا الفقير إلى الله الذي تعرفونه فأمي من الشمال وأبي من الجنوب وأمي رحمها الله وغفرلها من دير الزور الواقعة في الشمال الشرقي من سوريا ومن قبيلة شمر تفتحت عيناها على شط الفرات والحلفاء تقذف طائراتهم منطقة دير الزور لعدم إستسلام أهلها للحلفاء وغرقت أمي رحمها الله في نهر الفرات مرتين ولكن الله أنقذها على يد الفلاحين ومن شدة الأهوال التي حلت بقبيلتها وبأهلها أُصيبت بأمراض حتى صارت تشرب الماء وتمجه فأطعمها البدو مرقة فيها قطعة لحم فلما شربتها وأكلت اللحمة قالوا لها: هذه لحمة ذئب و وافق آنذاك مرور العقيلات أهل القصيم الذين يجوبون البلاد العربية يبيعون ويشترون فتزوجها رجلٌ كريم من بيت آل مديفر أهل بريدة وأسكنها فترة من الزمن في دمشق في حي الميدان فيها بيت ومزرعة وجعل عندها خادماً يقال له “أبوحدين” هو وزوجته ثم نقلها إلى بريدة وعاشت في بريدة معززة مكرمة بين أسر كريمة أصحاب عادات وشيم وقيم عربية أصيلة فأخذت من عاداتهم وشيمهم وأتقنت ما هم عليه فأتقنت طبخ المرقوق الذي لايتقنه إلا أهل القصيم وأتقنت عمل خبز القرصان ولا أزال حتى الآن آتي به من الرياض لأني تعودت عليه ، ومات عنها زوجها رحمه الله فتزوجت بعده بعدة أزواج لأنها لم تستقر صحتها ولم يستقر لها حال لما رأته من أهوالٍ في دير الزور وتحن كذلك لأهلها فتزوجها رجلٌ من أهل الرياض من رجال الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه اسمه صالح بن عبدالرحمن الحماد ومعها غيرها زوجتان وسرية ، فأقامت فترة في الرياض لم تطل لأن زوجها أستأذن من الملك عبدالعزيز بأن ينتقل إلى الأحساء لمزاولة التجارة ولقربها من البحرين فأذن له وأنتقل إلى الأحساء واشترى له أملاكاً في الأحساء ونخيلاً ولكنه مرض في الأحساء وتوفاه الله ودفن فيها فأشار الأمير سعود بن جلوي رحمه الله آنذاك أشار على والدي بالزواج من والدتي لأن سيدي الوالد رحمه الله كان آنذاك يولى على الأيتام القاصرين وقد أشتهر بولي الأيتام وما وثقوا فيه إلا لأمانته ، أنجبت والدتي من صالح ذكرين وبنتاً كلهم ماتوا رحمهم الله أما سيدي الوالد فقد أنجبتني منه وأنثى وسيدي الوالد رحمه الله على ذمته إلى أنَّ توفاه الله زوجته ابنة عمه عبداللطيف وخلَّفت منه أخي الشيخ إسماعيل وأختي شقيقته ، مع كبر الوالدة أعلتها الأمراض ولم تتركها ولم تنس الذكريات الأليمة حيث أنها أخيراً عجزت عن القيام بحق والدي لأنها بحاجة لمن يرعاها فطلبت الطلاق فطلقها وهو يعتصر ألماً وهي كذلك وهذه مشيئة الله فكان يوصيني بها إلى أنَّ توفاه الله يوصيني بها وكانت تحثني على بره إلى أنَّ توفاها الله وتوفيت في عام 1411هـ ، بعد أنَّ توالت عليها أمراض لم أعرف سببها وكانت امرأةً ذات عقل راجح لا كالنساء صاحبة رأي ومشورة وخبرة يستشيرها الرجال وكثيرٌ من كبار السن الذين تزوجوا في الخارج يأتون بزوجاتهم إلى والدتي ويكلمونها من خلف الباب ويطلبون منها بأن تعلم زوجاتهم العادات والسلوم والشيم وحقوق الزوج لأنها اكتسبت خبرة من مشوارها الطويل بين الحضر والبدو وكانت على جانبٍ عظيم من الكرم والسخاء حتى أنها لتأتي المرأة فتمدح فستانها وبعدها سيدتي الوالدة تخلع الفستان وتضعه في كيس وتعطيه هذه المرأة وكانت تحفظ أيام العرب وحروبهم وجانباً من التاريخ وتحفظ الكثير من الشعر الشعبي الكثير من الحكم والأمثال ولكنها مع هذا كله تخاف علينا خوفاً شديداً لأنها مع تقدم سنها تتذكر الحروب وتحن إلى دير الزور أما علاقتي بأهل القطيف وبمدينة عنك خاصة فأقول بأن سيدي الوالد رحمه الله كان أبوه الشيخ حسين يعد من وجهاء الأحساء وكان معرفاً لأهل نجد الذين يأتون الأحساء وأم سيدي الوالد أبوها الشيخ عيسى بن عبدالله بن نصرالله آل شويش من الزيتون الظهيرات من بني خالد وأخواتها واحدة تزوجها الشيخ عبدالله بن عيسى آل عكاس وأختها الكبرى من أبيها تزوجها رجلٌ من الكبيسي عمدتهم أنذاك، وارتضع والدي من العجمان من الحبيش ونشأ بين الحاضرة والبادية رحمه الله فأمه لم تنجب ذكراً غيره وتعود على حياة البادية من الشجاعة والفتوة والنخوة والكرم وأم سيدي الوالد رحمهم الله لاتعرف إلا ببنت الشيخ ففي صك الوارثة الذي أخرجه العم حمد بن العم عبداللطيف رحمه الله هكذا ورد فيه لطيفة بنت الشيخ عيسى بن عبدالله بن شويش فلا يعرف إلا بالشيخ عيسى وقولي العم حمد فهو ليس عمي وإنما ابن عم والدي عبداللطيف بن إسماعيل لأن الجد إسماعيل بن أحمد المُزني المدني خلف من الذكور أربعة سليمان وإبراهيم وعبداللطيف وحسين وكلهم أشقاء وأبناء الأخوة الأربعة لا يسمي كل واحدٍ منهم بن عمه إلا أخي فسيدي الوالد لا يقول عن حمد إلا أخي حمد وحمد لايقول إلا أخي عبدالرحمن ولا نقول إلا العم حمد والعم أحمد والعم سليمان والعم عبدالله، هكذا تربينا على الأدب فلا نقول حمد ولا نقول حسين بل نقول العم حمد والعم حسين ولأن العم حمد تزوج عمتي وقبلها تزوج ابنة عمه محمد ومحمد هذا شقيق جدي إسماعيل بل حتى العم عبدالرحمن بن عبدالعزيز بن أحمد بن عبدالعزيز بن إسماعيل لا ينطق اسم ابن عمه حسين إلا العم حسين لأن حسيناً أكبر سناً ورباه صغيراً وزوجه ابنته نورة أم عبدالعزيز وإسماعيل رحمهم الله ، أعود إلى أم سيدي الوالد كانت على جانبٍ عظيم من العلم والمعرفة والإدراك والكرم ويزورها العلماء والكبراء يأخذون من حكمتها وكرمها وإذا زارها أهل الفضل فإنها تجلس في مجلسٍ مجاور للمجلس فتحادثهم ويحادثونها والبيت الذي تقيم فيه ويقيم فيه معها الجد الشيخ حسين أوقفته أم أبيها عيناء آل شويش من بني خالد أهل عنك فأبوها الشيخ عيسى أخواله هم أعمامه وتقوم بخدمة الضيوف جاريةٌ أسمها بخيته وتلقب بأم مناحي هذه الجارية أعتقتها أم جدتي مريم آل عكاس قالت سيدتي الوالده رحمها الله: إنَّ جدتك ليست كالنساء فلها مكانة إجتماعية عند القريب والبعيد وكانت أمي تحبها وهي كذلك وتقول لما مرضت حزنت حزناً شديداً لأني فقدت أماً لي لا أم زوج فقد كانت تعطف علي وتعرف لي حق غربتي وفي اليوم الذي فارقت فيه الحياة قال لي بأنها تشتهي أرنباً وفعلاً ذبحته وطبخته في بيتي وجئت به وإذا بها قد فارقت الحياة رحمها الله وغفر لها وكانت وفاتها عام 1373هـ، نعود لاستغراب لهجتي ولهجة والدي إذاً لا غرابة في ذلك فإنَّ لهجة والدي أقرب إلى لهجة البادية منها إلى الحاضرة لتأثير أمه ورضاعته في آل حبيش ومعاشرته للبادية إلى أنَّ توفاه الله عام 1407هـ، أما أنا فلهجتي متأثرة بلهجة أمي وبلهجة اخواني لأمي النجديين الذين عشت فيهم وبينهم ثم إرتباطي بالرياض ونجد حتى الآن وأسأل الله حسن الخاتمة ، وتلخص من هذا كله أنني نشأت نشأة غريبة ولعله زال الإشكال فأنا اكتسبت من هذه المكونات حيث عشت مع اخواني لأم النجديين وما كان والدي منغلقاً بل منفتحاً ويكره التعصب للحي أو للبلد فأثر هذا كله في نشأتي وأتضح أكثر لما دخلت المعهد العلمي ولا أغضب إذا نسبني أحدٌ إلى نجد فأنا ولله الحمد لا أتعصب ولم أنشأ على التعصب فأنا نجدي وأنا أحسائي وأنا حجازي وعسيري وجازاني وحائلي وخليجي وأنا مالكي وحنفي وشافعي وحنبلي وأنا مسلم قبل كل هذا وإني وإن كنت في الذروة من قبيلة مزينة إلا أن شعاري

أبي الإسلام لا أب لي سواه

إذا افتخروا بقيسٍ أو تميمٍ

والنبي صل الله عليه وسلم قال: من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه وصدق الذي قال:

كُن ابن من شئت واكتسب أدباً

يغنيك محموده عن النسبِ

إنَّ الفتى من يقول ها أنا ذا

ليس الفتى من يقول كان أبي

وابن الوردي يقول: لاتقل أصلي وفصلي أبداً إنما أصل الفتى ماقد حصل

لقد كان سيدي الوالد أعظم أب في رجاحة عقله والصبر على الأذى وعدم المجاراة وعدم حبه للإنتصار فهو لاينتصر لنفسه ولو حلفت بالطلاق لما حنثت فقد كان مهيباً حكيماً محل ثقة الأمراء والقضاة ونال ثقة أهل الأحساء حاضرة وبادية يرتضونه لحل المنازعات ويستعينون بالأمير سعود بن جلوي وبالقاضي الشيخ سليمان العُمري ليتولى رعاية أيتامهم وتولى رعاية عشرين أُسرة في وقت واحد وذلك لما عرف عنه من أمانة لحفظ أموالهم والنفقة عليهم فتولى على أولاد أمير الطرف عبدالرحمن رحمه الله وأخته وتولى على عبدالله بن محمد بن سليم ال ملحم ابن موقف المقبرة أم الزرينيق وتولى على أولاد التاجر النجدي علي بن رشيد وتولى على اخواني لأم وعلى غيرهم، وكان القضاة يقبلون جرحه وتعديله ولا يحتاجون إلى شاهد آخر معه وقد عرف بالشدة أمام الظلمة والمتسلطين على الضعفاء وكان يقف معهم وينصرهم وسجلات المحكمة خير شاهد على ذلك، أما مع أولاده فقد عرف بشفقته وحزمه بالتربية وكاد أنَّ يكون أمة وحدة في كل شؤونه وكان لايأكل عند من في أكله شبهه وكان يحذرنا من الحرام وأكل الحرام رحمه الله وغفرله. وأما سيدتي الوالده فقد كانت تخرج اللقمة من فيها لتطعمني إياها ، والله أعلم كم بكيتهما نعم بكيتهما بكاء الثكالى.

ولدي من الأولاد بفضل الله

1/ عبدالمجيد وعنده ثلاثة ذكور محمد وعمرو وتركي.

2/ عبدالرحمن  3/ حسين  4/ أحمد.

وأربع بنات تزوج منهن اثنتان وبقي اثنتان

واحده جامعية،والثانية طالبة في الجامعة.

الخاتمة :

وفي الختام لايمكن أن أنسى زوجتي وأم أولادي المرأة العظيمة التي وقفت معي في كل الظروف التي مرت بي وعلي ولا أستطيع أن أعدد مواقفها معي فقد سهرت معي في إعداد ما كتبته وألفته ونشرته.
ثانياً/ قامت بأمي رحمها الله خير القيام وعاملتها معاملة لا أظن أن بنتاً قامت بمثل ماعملت فقد باشرتها في المنزل ورافقتها في دخولها المستشفيات برغبة منها وكانت حين ترافق أمي تقوم وترعى المريضات الأخريات وهي لاتعرفهن ولا تعرف مذاهبهن ولا من هن.
ثالثاً/ جئت لأمي بخادمة فأبت زوجتي وأصرت بأن تقوم هي بخدمتها.
رابعاً/ وإن أنسى فلا أنسى حرصها على تربية الأولاد.
خامساً/ وقفت معي وساهمت في شراء بيتنا المتواضع ولم تبخل عليّ حتى بحليها وجواهرها، لقد توفيت أمي وهي راضية عنها فإن كنت تأخرت عن الكتابة عنها لأنني ما استطعت ولا أستطيع ولم أستطع أن أوفيها حقها فلساني يعجز عن ذلك وقد عُرض علي زوجات فامتنعت عن تعدد الزوجات حتى لا أكدر عليها ولا أنكد عيشها مع أولادنا لأنني رأيت الذين يعددون يظلمون ولكنهم لا يعترفون حفظ الله بيتنا من شر الأشرار ومن كيد الفجار …آمين.

بقلم راجي عفو ربه الجليل

محمد بن الشيخ عبدالرحمن بن الشيخ حسين بن إسماعيل بن أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن إسماعيل المزني الحربي المدني الأحسائي