ليست أضغاثاً


ليست أضغاثاً


لقد قرأت في جريدة اليوم ليوم الجمعة الموافق 1 / 5 / 1428هـ العدد 12390 مقالاً للكاتبة الفاضلة أنيسة بنت عبداللطيف السماعيل حول الرؤى والأحلام ناقشت فيه بعض من نصب نفسه لتعبير الرؤى وهو ليس أهلاً لذلك وقد كانت واضحة كل والوضوح وصريحة وكنت أنتظر وأترقب من يتجاوب معها في طرحها خصوصا من أهل العلم والفقه والفتوى وحيث أني منشغل بأشياء أخرى ولكني لم أر من يتجاوب معها فتوكلت على الله وكتبت ما كتبت فعسى أن أكون موفقا في عرضي هذا
فما ذكرت في مقالها من تسرع وإقدام على تفسير الرؤيا ممن ليسوا مهيئين لذلك نفسيا ولا علميا كالذي تقول بأنه فسر قراءة سورة من القرآن…الخ بمشاكل في المنزل للشيطان دور فيها والذي رآى انه يعيش في بيت بلا سقف فإن عليه ديناً قدره مائتا ألف ريال 200000، والذي فسر البالون بورم حميد وحسد الخ.
فكلام الكاتبة صحيح فهذا كله تطاول على الرؤيا وعلى تعبيرها بل فيه شيء من التنجيم خاصة صاحب المال الذي فسره بهذه الدقة، هذا إن صدق التعبير لأن بعض من يتعاطى تعبير الرؤيا تجد له اهتماماً بالفلك والنجوم فالدقة والدخول في التفاصيل الدقيقة هذا يدل على أنَّ هذا المعبر ربما كان من أهل التنجيم والتكهن عافانا الله من ذلك.
وأعرف أحد المعبرين سأله أحد الناس عن رؤيا ففسرها له بأنه سوف يموت قريباً وآخر وهو محسوب في أهل العلم سأله شاب عن رؤيا رآها المسكين فلما خرج الشاب قال هذا الشيخ إنَّ هذا الشاب سوف يصطدم بسيارته ويموت وآخر منذ فترة قال بأنه سيكون نصر للمسلمين وفلسطين خلال شهور وصدقه السذج ثم حلَّت النكبة بإخواننا الفلسطينيين.
فتصدر للتعبير من ليس أهلاً لها فالمعبر يفترض فيه فقه الدرس وفقه النفس وفقه اللغة واسع الأفق واسع الثقافة له معرفة بالألفاظ واشتقاقاتها صاحب فراسة صادقة لست عنده عقد ولا مركب نقص ولا أحقاد ولا حمق ولهذا لم يشتهر المفسرون بهذه الكثرة التي نراها بل كانوا أقل من القليل وأندر من النادر ولهذا اشتهر ابن سيرين بين أمة من البشر لصدق فراسته رحمه الله ثم في كل فترة تسمع عن مفسر واحدا أواثنين أمَّا الآن فأصبح هواية بل كثر المعبرون والمتخبطون الذين يروعون الآمنين فالمفترض أن لمعبر ينظر إلى الرؤيا وصاحبها نظر المفتي المتمرس فقد يرى الرؤيا الواحدة مجموعة فمثلا قد يرى الأذان أو الحج مجموعة من الناس فينظر المعبر لحال هؤلاء بدقة متناهية فرجل من حاله أنه سوف يحج ورجل سوف تقضى حاجته ورجل سوف يشتهر ورجل سوف يفتضح ورجل تحدث بالحج أو تمنى الحج أو أنه بعد الرؤيا سيدور حديث بينه وبين آخر حول الحج وهذا يحصل لنا كثيراً فنرى الرؤيا المزعجة كما ذكرت الكاتبة قد نرى جمالاً وربما تشوشنا وكلها ساعات وإذا برجل من البادية يتصل بالهاتف أو يزورنا ويتحدث إما عن صفقة جمال مربحة أو يسأل عن زكاتها فتتذكر الرؤيا وينتهى كل شيء وهذا النوع كثير الحصول فبعض الإخوان يقول رأيت كذا وكذا فيقول له المعبر انتظر ثم أخبرني بعدها يقول صاحب الرؤيا الذي رأيته جاء له ذكر أو اني رأيت في التلفاز نفس ما رأيت في النوم ولهذا فإن الرؤيا لا تعبر عن طريق الصحيفة ولا عن طريق المراسلة ولا عن طريق التلفاز لأنه لابد من معرفة حال الرائي وظروفه المعيشية والسلوكية وسؤاله بعض الأسئلة لأن الرؤيا قد لا تكون له وإنما لقريب له أو جار فقد أخبرني أحد الفضلاء أنه رآى أنه سوف يموت يوم الجمعة يقول استيقظت يوم الجمعة وأنا فزع ولم أفطر ولم آكل شيئاً مطرقاً واجماً يقول كلها دقائق وإذا بالباب يطرق عليَّ ويقول فلان صاحبك مات وسوف يصلى عليه الجمعة إن شاء الله فيقول صاحبي فحمدت الله وزال الكدر.
فإذا كانت الرؤيا تدل على خير فسرها المعبر وإن ظهر له غير ذلك قال له خير إن شاء الله فلا تضره إن شاء الله ولابد أن يسأل الذي رأى الرؤيا. وربما رأى الرجل حلماً مزعجاً مخيفاً فما على المفسر إلاَّ أن يسأله عن الأكل الذي أكله ونام فالثوم والبصل و الكراث والأكل الثقيل والدسم هذه كلها تأتي بأحلام رديئة ومخيفة ومزعجة.
كذلك الذي يشكو من القلق أو تغلب عليه المادة السوداوية فيرى هذا القبور والموتى والأهوال والحيات والهوام والصواعق وكل المزعجات إذاً الخلل في مزاجه جعله يرى هذه الأضغاث.
أمَّا الشخص السوي السليم فإذا رآى في منامه ما رأى وسأله المعبر فإن كان يخشى عليه من سوء عافية فيحذره بلطف دون إزعاج أو تصريح فإن كانت امرأة ورأت ما يخشى عليها منه فيقول أنت امرأة صالحة ومن بيت طيب والله يقول ((فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض)) حاولي الاحتشام أكثر فأكثر فالأشرار أعداء الفضيلة ادخلي السوق بمحرم ومحتشمة اختاري صديقاتك اقتصري على التي تدلك على الخير والمرؤة أكثري من ذكر الله، فإن الأشرار ينظرون لعير المحتشمة كما تنظر الكلاب الجائعة للحم المعلق ولا تقولي فلان ثقة فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعط الثقة أحداً بل قال: الحمو الموت يعني أخا الزوج
ورحم الله القائل:
خدعوها بقولهم حسناء
                  والغواني يغرهن الثناءُ
وقول الأخت أنيسة عن الجمل صدقت فالجمل يحمله أكثر المعاصرين ومن نصبوا أنفسهم لتخويف الناس وإرهابهم و يفسرونه بالعدو.مع أنَّ الجمل حسب حال الرائي قد يكون عدواً وقد يكون جمالاً وقد يكون مالاً لأن الجمال أسعارها باهضة هذه الأيام وفي سالف الأيام وقد يكون يتابع سباق الهجن والتلفاز وقد يكون ذهب إلى الجزار فرأى رأس الجمل أو اشترى لحم جمل أو فكر في شراء الجمال،وكذلك القط لذا فإني أضم صوتي إلى صوت الأخت أنيسة وقد حذر سابقاً سماحة مفتي عام المملكة المتلاعبين بضعاف الناس.
 
 
 
بقلم
خادم أهل العلم

محمد بن عبدالرحمن بن حسين آل إسماعيل

* نشر في جريدة (اليوم)  الأحد 1428-08-06هـ الموافق 2007-08-19م العدد 12483 السنة الأربعون

مع التنويه على خطأ مطبعي من الصحيفة وهو عنوان المقال المنشور  ((ليست أضغانا يا أنيسة.. ولكن مجرد كلام)) وهذا خطأ والصواب ((ليست أضغاثاً)) فأضغاث الأحلام ليست أضغان الكلام ! تم تنبيه الصحيفة ونتمنى أن تتداركه
http://www.alyaum.com/issue/article.php?IN=12483&I=516169&G=1