رفقا بالشيخ عبد المحسن ياقوم


رفقا بالشيخ عبد المحسن ياقوم


احتلت صحفنا المحلية موضوعات شغلتنا عن قضايانا الأساسية والعدو حريص على انشغالنا بخلافاتنا الفرعية التي نملأ بها الصحف ونبرز عضلاتنا بل مصارعتنا الصحفية وفي مقدمة هذه المشاكل موقف كثير من أهل العلم ومن غيرهم حول فتاوى الأخ الفاضل الشيخ عبد المحسن بن ناصر آل عبيكان مثل قضية حل السحر وغيرها، وقد ازدحمت الصحف المحلية بالردود من العلماء الأجلاء ومن المثقفين ومن حملة الشهادات، هب الذي يعرف والذي لا يعرف وكأن المسائل الفقهية حمى مباح كل يكتب، فالكل رد المشتغلون بالبيع والتجارة، أقول ردَّ عليه الذي يعرف والذي لا يعرف إنما كلامي مع مشايخي الكرام العلماء الأعلام فالحكم على الشيء فرع من تصوره.

وقد وقف القراء موقف المتفرج والساخر والساخط.

ولعلي أعرف أخي الشيخ عبد المحسن أكثر من هؤلاء فقد عرفته طالباً في كلية الشريعة سبقني بسنة هادئاً وقوراً أنيقاً في ملبسه وكان يلبس الغترة الملحفة البيضاء لا تفارق الابتسامة محيّاه، قدوة بين الطلاب على اختلاف مستوياتهم محبوباً لدى مشايخ الكلية، تقرأ باطنه من فيه وعينيه فيه صراحة وعفوية وسلامة طوية مع عقل راجح وذكاء العربي الفطري لم يتأثر بأفكار ولا نزعات ولا بأحزاب ولا جماعات بل رأيت فيه كما رأى غيري الأصالة بكل معانيها بل وحباً للتأصيل يمشي واثق الخطى يعمل عقله قبل رجليه لأنه تربّى في حلقات سماحة الشيخ الفقيه خاتمة الحنابلة الشيخ عبدالله بن محمد بن حميد رحمه الله وحبّب إليه الفقه بالدليل والتعليل وتأثر بابن حميد ولازمه. والشيخ ابن حميد معروف ثقله ورزانته ووزنه في الساحة ورجاحة عقله وعدم حبه الفتوى وأنه ليس ممن يهجمون على الفتوى بل حريص كل الحرص على التمسك بفتاوى السلف ليستفيد منها استفادة الواعي المدرك حتى يكاد يجمع كل من عرفه في الداخل والخارج بأنه حجة في الفقه الحنبلي خاصة والفقه الإسلامي عامة ولم يُنتقد في فتوى بل كان يتعقب الكاتبين فالشيخ عبدالمحسن من هذه المدرسة الحميدية الحنبلية وأمّ فترة من الزمن في جامع عمه معالي الشيخ محمد العبيكان رحمه الله في حي البديعة وحين انتقل الشيخ عبدالمحسن من إمامة الجامع إلى جامع الجوهرة في الخزان صرتُ إماماً وخطيباً بعده في جامع عمه رحمه الله.

إذاً فالشيخ عبد المحسن يعتبر نادراً في زمننا هذا زمن التقلبات والتوجهات وقد وفقه الله لشرح كتاب مغني ذوي الأفهام في الفقه الحنبلي وخرج من الكتاب ستة مجلدات ولم يكمل وقد أفرغ فيه طاقته حيث لم يشتغل بتجارة.

ويذكرني بالصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه حين عاب عليه بعض معاصريه كثرة روايته أفاد بأنه لم يشتغل بالسوق أو بشيء آخر سوى الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وملازمته.

ومنهج الشيخ عبد المحسن منهج السلف لا يفتي بل ينقل عن السلف نقل الفقيه والحكيم النظَّار لا نقل المقلد فكل فتاويه هي محل اجتهاد ومحل خلاف وله فيها سلف وليست قطعية الثبوت قطعية الدلالة لا بل مسائل خلافية يرى الفقيه مرجحات لهذا القول على ذاك بقيود وهو يعرفها ومسألة حل السحر ليست من رأسه بل نقلها من كتب السنة والأثر كفتح الباري وغيره فإذا مال إلى قول ليس من حقي أن ألزمه بأخذ القول الآخر فهو مع القول المشهور لدى مشايخنا ولكنه يرخص بقيود وشروط وهو ثقة وليس محل شك وهو رجل نزيه يتأثر بفرح من حوله وبحزنهم فيه رقة وفي قلبه رحمة وشفقة وليس هذا غريباً فهو من أسرة هي من أقدم الأسر في الرياض ومن أعرقها ومن أشد الناس تمسكا بالأعراف والتقاليد الإسلامية أو ما يسمى ب (السلوم) فالنقاش العلمي الهادئ مقبول من العلماء الكبار سلمهم الله أما أن يكون هدفاً لكل من تفاصح أو حمل قلماً فهذا لا يليق، أقول هذا مع أني قد اختلف معه في كثير من المسائل التي يناقشها، ولكني أحترم فهمه لأنه لا إنكار في مسائل الاجتهاد ومعاذ الله أن يخالف نصاً قطعي الثبوت قطعي الدلالة ومعاذ الله أن يخرق إجماعاً. إذاً فالمسألة التي يطرقها لا تستحق هذه الجهود التي نحن بحاجة إليها لكشف نوايا أعداء الإسلام وما يخططون لنا. فإن الساحة والله بحاجة ماسة إلى أمثال الشيخ عبد المحسن لعلمه ونزاهته.

كتبه خادم أهل العلم
محمد بن عبدالرحمن بن حسين آل إسماعيل
* نشر في جريدة الجزيرة السبت 21 رجب 1428   العدد  12728
Saturday  04/08/2007 G Issue 12728
http://search.suhuf.net.sa/2007jaz/aug/4/rj4.htm