المال السائب يعلم السرقة


المال السائب يعلم السرقة


قرأت مقال الأستاذ فهد الحوشاني – وفقه الله – المنشور في جريدتنا الجزيرة يوم الجمعة الموافق 5 من ذي الحجة 1428هـ وانقدح في ذهني المثل المصري المشهور (المال السايب يعلم السرقة) فقلت في نفسي نعم المال السايب يعلم السرقة فهناك أموال يخرجها أهل الخير لصرفها في وجوه الخير والبر ولكنهم لا يوصلونها بأنفسهم ولا يتحرون بل يفرحون إذا وجدوا من يتصدى لهذه المهمة عنهم مع أن الواجب عليهم التحري من وصول هذا الخير إلى أهله فهناك أموال تدفع لجمعيات باسم صدقات وأموال تدفع لبناء مساجد وهناك أموال اليتامى وهناك ما يسمى أعطيات غير المنتظمة يقوم بها علية القوم إذا زاروا بلداً من البلدان.
والسؤال: هل تصل هذه الأموال؟ وهل تصل إلى مستحقيها؟ وهل تصل كاملة غير منقوصة؟ وهل هناك متابعات؟ فإنه من قديم الزمان والناس يشكون من هذه المشكلة ولهذا فقد كانوا يتحرون حتى يجدوا الرجل الأمين الذي يخاف الله في هذه الأموال السائبة فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فهل يكفي أن نرى الرجل بمظهر الوقار والتدين وإقامة الصلاة لنثق فيه ونعطيه هذه الأموال.
عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – صرف الرجل عن مدحه عبادة صديق له وسأله هل تعامل معه بالدينار والدرهم. بل هناك بعض الصالحين من يقول: أنا في حاجة ماسة لهذا المال فسوف أستفيد منه ثم إذا وسع الله عليَّ أعدته وهذا المسكين سوَّل له الشيطان هذه الفكرة.
هناك من دفع أموالاً لإقامة مساجد ولكنها لم تُبنَ. أخبرني أحد المحسنين – رحمه الله – يقول: أعطيت فلاناً ليبني مسجداً وبعد مدة سألته فأجاب بأنه رمم بالمال مسجداً آخر، هناك أموال ليتامى فماذا عمل أولياء الأيتام بهذه الأموال، هناك أعطيات وشرهات لم تصل إلى المحتاجين بل أخذها الأغنياء، هناك من هم على رأس جمعيات فقراء صعاليك فأصبحوا بعدها في أحسن المساكن ويركبون السيارات الفارهة؛ هناك من ينشئ جمعية باسمه ويقول: أنا ثقة فأعطوني أموالكم.
فلماذا نكون ساذجين إلى هذه الدرجة فنعطيه لينشئ له متاجر ومكاتب فإلى متى ونحن لا نضبط أمورنا؟ بل هناك أموال تُؤخذ باسم صدقات ويمول بها الإرهاب كما كان حين خرج الخوارج في بيت الله الحرام؛ فمتى نصحو من رقدتنا؟ لماذا لا تُفعَّل قاعدة من أين لك هذا؟.
ولماذا لا نأخذ بالمثل المصري (توصى من صاحبك ولا تخونه)؟.
قد يكون بعض الناس ورعاً وتقياً ولكننا نحن نتسبب في أن يتساهل ويمد يده للحرام إذا لم يجد الرقيب والمحاسب والمتابع لحسابه في المصارف ليرى هل يسجل باسمه أو باسم الجمعية؛ هذا والله من وراء القصد.
 
 
بقلم
خادم أهل العلم

محمد بن عبدالرحمن بن حسين آل إسماعيل

* نشر في جريدة الجزيرة الثلاثاء 09 ذو الحجة 1428   العدد  12864
http://www.al-jazirah.com/139647/rv2d.htm