سب الرموز


سب الرموز


الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة هي المنهج الرباني الذي تربى عليه النبي صلى الله عليه وسلم وربى عليه صحابته.
            فالله يقول: ((ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)) والقاعدة المشهورة ((من أُحرج أُخرج)).
            وقد كان صلى الله عليه وسلم يؤذى بشتى أصناف الأذى في حال ضعف المسلمين وفي حال قوتهم وكان شعاره صلى الله عليه وسلم دائماً وأبداً ((اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون)) فما كان صلى الله عليه وسلم سباباً ولا لعاناً لأنَّ عنده هدفاً أسمى من الانتصار لنفسه والهدف هو تأليف القلوب على الدين الحق وفعلاً هذا هو الذي حصل لليهودي الذي كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم بقمامته فحين مرض اليهودي زاره المصطفى صلى الله عليه وسلم ثم أسلم اليهودي عليه إذاً تحقق ما قاله لعلي رضي الله عنه: ((لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)) وما فعله الأعرابي الذي بال في المسجد حين قام له الصحابة ليزجروه أو يضربوه ولكنه صلى الله عليه وسلم نهاهم وبالتالي حسن إسلام الأعرابي وقال (اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحدا) ملكه حسن المعاملة.
            ولما دخل صلى الله عليه وسلم مكة المكرمة قال: ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن فأَسرت هذه الكلمة أبا سفيان وأسلم راغباً. هكذا استمالة القلوب وحتى نهينا عن لعن المعين فورد ((ألا لعنة الله على الظالمين)) ((ألا لعنة الله على الكافرين)) بل نهينا عن لعن الدابة والدابة التي لعنت قال صلى الله عليه وسلم: ((دعوها فإنها ملعونة)) لأنَّ اللعن وسب الرموز هذا من شأنه تهييج النفوس وترسيخ العداوة في الخصم ولهذا جاء قوله تعالى في سورة الأنعام: ((ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم)) الخ الآية 108
            فنهى سبحانه المؤمنين أن يسبوا أوثانهم لأنه علم أنهم إذا سبوها نفر الكفار وازدادوا كفرا.
قال ابن عباس قال كفار قريش لأبي طالب إمَّا أن تنهى محمداً وأصحابه عن سب آلهتنا والغض منها وإما أن نسب الله ونهجوه فنزلت الآية.
            قال الإمام القرطبي رحمه الله قال العلماء: حكمها باقٍ في هذه الأمة على كل حال فمتى كان الكافر في منعة وخيف أن يسب الإسلام أو النبي صلى الله عليه وسلم أو الله عز وجل فلا يحل لمسلم أن يسب صلبانهم ولا دينهم ولا كنائسهم ولا يتعرض إلى ما يؤدي إلى ذلك لأنه بمنزلة البعث على المعصية. الجامع لأحكام القرآن ج7 ص61
            والله سبحانه يريد منا اللطف والرفق في الدعوة إلى الله لنستميل قلوبهم فهذا نوح عليه السلام مكث في قومه ألف إلا خمسين عاماً.
            فإن الانفعال والثوران وعدم التحكم في الأعصاب هذا هو الذي يريده العدو ويتخذه ذريعة للهجوم على الإسلام والمسلمين.
            فكذلك خلافنا مع أهل القبلة يجب علينا أن نضبط أعصابنا وكذلك خلافنا مع الذين ينتسبون إلى الإسلام وهم يخالفوننا في الأصول والفروع ويقولون بأنهم مسلمون فكذلك يجب أن نحذر كل الحذر من إثارة الفتن لأن هناك من له مصلحة في إذكاء نار الحرب بين العرب والمسلمين وهم الصليبيون خصوصاً في هذه الأيام حيث تشابهت الأمور وتداخلت وأصبح الغرب يتدخل في شؤون المسلمين وأهل القبلة ليضرب بعضهم ببعض على سياسة فرِّق تسدْ إذا لا نسب رموز المخالفين وإن آذونا حتى لا يسبوا رموزنا خاصة وإنَّ عندهم من الحيل والمكر والدس ما ليس عندنا لأننا نتعامل مع مخالفينا بعفوية وبراءة ليس لها نظير والمسلم الحق هو الذي يحفظ لسانه ويده لقوله صلى الله عليه وسلم: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)) أي المسلم كامل الإسلام فالمسلم العاقل لا يكثر خصومه بل يسعى بقدر ما يستطيع لتضييق نطاق الخلاف مع مخالفيه وذلك لضعف شوكة الإسلام فالتهور أضر بالإسلام وأضر بالمسلمين وأضر بالدعوة إلى الله وكما يرى الحال من تضييق الغرب على المسلمين في كل شؤون حياتهم إذاً هل نحن بحاجة إلى تكثيف العداوة وإضمار الحقد حتى من عامة الناس فما دخل الرفق شيئاً إلا زانه وما فقد منه إلاَّ شانه. ونحن الآن في حال ضعف المسلمين وانقسام بلادهم إلى دويلات والدويلات فيها تجمعات ومذاهب وأحزاب للغرب والشرق دور كبير في نشؤ هذه من باب قاعدة ((فرَّق تسدْ)) وهذا هو الذي ساعد على إسقاط الخلافة الإسلامية من أجل تفتيت الأمة إذاً في هذا الوقت المتأزم يجب أن يراعي الدعاة والكتاب وأصحاب المنابر يجب عليهم تجنب سب أو شتم رموز هذه الأحزاب والفرق والمذاهب هذا مع أنَّ ديننا نهى عن لعن المعين ولأنَّ لذلك آثاراً سلبية وعواقب وخيمة يذكي نارها أعداء الإسلام والمنافقون في مقدمتهم والمفترض في المسلم الذي يتمسك بأصول الإسلام وفروعه ويتمسك بأهداب الفضيلة أنَّ عنده من الحكمة والحنكة والسياسة ما يكفيه حتى يترفع عما وقع فيه أهل الباطل من شتم لأهل الإسلام وخاصة أهل السنة الذين عرفوا بسلامة نيتهم ونقاء طويتهم فلا يخضعون لعاطفة أو استثارة لأنَّ هناك من يخطط لاستثارة أهل الحق ليكسر هيبتهم.
            فالأولى بأصحاب الأقلام وخطباء المنابر أن يترفعوا وأن يربأوا بأنفسهم عن الانزلاق في حمئة الكمين المعد لهم من أعداء الإسلام ومن عملاء الشرق والغرب فقد كان هذا شأن الفرسان والشجعان في كل عصر وفي كل زمان هذا مع الحيطة والحذر واليقظة لما يخطط لأهل الإسلام على حد قول القائل:
            ليس الغبي بسيد في قومه
                                    لكن سيد قومه المتغابي
وقال أحدهم:
            إذا بليت بشخص لا خلاق له
                                                فكن كأنك لم تسمع ولم يقل
            وإذا خاطبك السفيه فلا تجبه
                                                فخير من إجابته السكوت
والآخر يقول:
            فلو أنَّ عبدالله مولى هجوته
                                    ولكن عبدالله مولى مواليا
ويكفينا قول الله عز وجل ((قل موتوا بغيظكم)) هذا والله من وراء القصد.

 

 

كتبه خادم أهل العلم

محمد بن عبدالرحمن بن حسين آل إسماعيل
* نشر في جريدة الجزيرة الجمعة 21 صفر 1431   العدد  13644
Friday  05/02/2010 G Issue 13644
http://www.al-jazirah.com.sa/497795/is3d.htm