خطورة الفتاوى الشاذة ومفاسدها


خطورة الفتاوى الشاذة ومفاسدها


في هذه الأيام ظهرت بوادر لا تبشر بخير وهي التعجل في الفتوى وإصدار فتاوى غير مدروسة ضررها أكثر من نفعها فكأنَّ كل من أخذ الدكتوراه صار عالماً لا يجارى ولا يبارى وصار من حقه أن يفتي وأن يخرج كل ما يجول في رأسه لا يهم جلب مفسدة أو مصلحة المهم أنه يستطيع أن يصدر فتاوي وهذه هي والله الطامة الكبرى فنحن بحاجة إلى إعادة نظر في هذا الكم الهائل من حملة الدكتوراه ثم إننا بحاجة إلى التفتيش عن فقيه وبحاجة إلى عقل وورع يمنعان من التعجل والتهور وبحاجة إلى علماء درسوا الفقه بجدية لأنَّ من كثر فقهه قل إنكاره.
          ولم نر تعجلاً في الفتوى مثل ما في بلادنا ولم نر متصدرين وهم غير مهيئين علمياً مثل ما نرى في بلادنا ولم نر تهوراً في الفتوى مثل ما نرى في بلادنا ولم نر فتاوى شاذة مثل ما نرى في بلادنا بلاد الحرمين وقبلة المسلمين تقدم في الفتوى يسابق الزمن بعد أن عرف عنا التريث والتعقل في الفتوى.
          ونحن الآن نسير في فتنة هوجاء كفانا الله شرها وشررها فالكل يفتي والكل يحلل ويحرم. هل بعض المعاصرين هم أنصار السنة والسابقون ليسوا من أهل السنة ألا نستحي من الله ثم من الناس. أليس فينا عاقل رشيد يضرب بيد من حديد حتى لا تغرق السفينة.
          عندنا قضايا فقهية منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة نزل الوحي وانتهى واجتهد الأئمة عصراً بعد عصر ثم يأتي في هذا العصر من ينكرها هل الذين تركوها خانوا الأمانة وهل سيد الخلق صلى الله عليه وسلم لم يبلغ الرسالة.
في كل يوم تصدر فتاوى تخالف ما عليه أهل الإسلام علماء وعامة ولا قائل بها من الصحابة ولا من آل البيت ويمضي أربعة عشر قرناً ثم يأتي من يستدرك على الرسول صلى الله عليه وسلم.
          فتاوى لا يصدقها العقل لقد كنت في حج 1397 هـ أشارك في الإشراف على مجلة التوعية الإسلامية في الحج وكان في الحج معنا رجل لا أتهمه في عقله كان يتفوه بكلمات فوجئت بأنه دونها لتنشر في مجلة توعية الحج ولكني لم أنشرها آنذاك وهي تتضمن عزل الرجال عن النساء في المطاف وإلى اليوم وأنا أكذب نفسي وأقول لا يمكن أن تصدر هذه الفتوى.
          والآن نسمع بأنَّ هناك من صدر نفسه يقول أن حول الكعبة اختلاطاً محرماً ويجب فصل الرجال عن النساء ووالله لا أزال بين مصدق ومكذب لأنني لا أظن عاقلاً يفكر في هذا واسأل الله أن تكون مكذوبة وأنه يتحتم إنكارها إن صحت.
فلقد كان بعض النسوة في الجاهلية يطفن عريانات وكانت إحداهن تردد الأبيات المشهورة يعرفها من له اختصاص ثم جاء الإسلام وطهر الله البيت الحرام وطاف الرجال والنساء في احتشام هذا بجوار زوجته وهذا بجوار أمه وهذا بجوار أخته ودعا القرآن الكريم والمصطفى صلى الله عليه وسلم إلى الفضيلة ونبذ الرذيلة باحتشام النسوة وبقي الناس على هذه الحال أربعة عشر قرناً مرت على صحابة وتابعين وفقهاء وأئمة الإسلام فما تكلم أحد فيما يسمى اختلاطاً حول الكعبة المشرفة ولو كان هناك شيء لبينه صلى الله عليه وسلم فإنه لا يدع البيان عند الحاجة إليه خصوصاً وأنه كما قلنا كان في الجاهلية نساء يطفن عريانات لا يستر عوراتهن ساتر. لأنَّ المقام مقام تعبد لا مجال فيه للفساد.
          وإن كنا في عهد هذه الدولة السعودية المباركة نجد عناية ليس لها نظير بالحرمين ومن حيث العناية والمراقبة الشديدة بآلات التصوير الدقيقة ورجال ونساء يراقبون المطاف ويراقبون المنحرف إن وجد إذاً الدولة لم تقصر.
          ويا ليتنا نحرص على تربية بناتنا وأبنائنا على الفضيلة لأننا إذا وصلنا إلى مستوى المناداة بفصل الرجال عن النساء في المطاف فإننا بهذا أهنا والله هذا المكان الشريف وكأننا نقول لأعداء الإسلام إن الحرم والطواف مكان للقاءات مشبوهة وتؤدي إلى الفسق والكبائر وهل يقول بهذا عاقل. لا أظن لا أظن.
ثم إن هذه القضايا هل هي محل اجتهاد صغار العلماء أو كبار العلماء بل هذه قضية كل أمة محمد صلى الله عليه وسلم في الداخل والخارج فإذا افترضنا وجود فساد في أي مكان فهل نلغي هذا المكان وهل كل مكان يأخذ نفس الحكم وهل حرم الله محل للرأي.
          أليس الرسول صلى الله عليه وسلم ترك الكعبة المشرفة على ما هي عليه ولم يدخل حجر إسماعيل أليس خوفاً من الفتنة وها نحن الآن لم يفكر أحد في إدخاله الحجر ولن يفكر أحد.
          أمَّا إذا انطلقنا من قاعدة سد الذرائع فإنه باب خطير ليس كل يحسنه فإنَّ هذه القاعدة مثل الملح لا يعرفها ولا يعرف حدودها إلاَّ من أمضى عمره في الفقه والتفقه والقراءة والمناقشة والمحاورة والمراجعة مع ذكاء و زكاء وإلاًّ فسوف نمنع بيع العنب والتمر لأننا علمنا بأنَّ قوماً صنعوا منهما الخمر وسوف نمنع خلوة الأب بابنته والابن بأمه لأننا تأكدنا من وجود مريض نفسياً جامع بنته ومريض آخر جامع أمه بالله عليكم يا إخوان هذه كلها وسواس وهو نوع من الجنون.
          أين العلماء المتفقهون أين الوعاة فلا نريد رواة بل نريد وعاة فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ورب مبلغ أوعى من سامع أو كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم.
يسأل رجل الإمام الأعمش المحدث عن مزاولة المرأة الحائض لأعمال المنزل من طبخ وغيره فيقف لا يجد جواباً ويسأل الإمام أبا حنيفة رحمه الله فيقول رحمه الله يجوز كل شيء إلا الجماع فيسأله الأعمش من أين أخذت هذا قال أخذته من الحديث الذي رويته عنك ((إنَّ حيظتك ليست بيدكِ)) فيرد الأعمش قائلاً نحن الصيادلة وأنتم الحكماء.
          فتاوى شاذة صادرة من غير أهلها ولكن ليس لها من منكر من أهلها.
كتبه خادم أهل العلم

محمد بن عبدالرحمن بن حسين آل إسماعيل 

* نشر جزء منه في جريدة الجزيرة الجمعة 17 ربيع الثاني 1431   العدد  13700
Friday  02/04/2010 G Issue 13700

http://www.al-jazirah.com/20100402/ar5d.htm