النقد و العواطف


النقد و العواطف


قرأت ماكتبته الدكتورة إقبال آل عرفج وفقها الله يوم الثلاثاء 20/6/1429هـ في النقد والعواطف فسررت جداً وعاد إليَّ الأمل لأنني ابن هذه البلاد وعشت ولله الحمد في بيئة متفتحة ليس على الداخل فحسب بل ومع خارج محيطنا الاجتماعي والمكتبات التجارية تعج بكتب النقد منذ العهد العباسي إلى العصر الحديث مروراً بأحمد أمين ومحمود شاكر وشوقي ضيف والكليات أظنها تدرس النقد ولكن حين تأتي إلى أرض الواقع فلا تجد أثراً للنقد بل يحكم ذلك المجاملات والعواطف والمحسوبية وحين أنظر يمنة ويسرة فإني أرى الأمم تقدمت علينا تقدماً ليس فيه مجال للمقارنة تقدمت في التأليف حتى صرنا عالة عليها لأنها أفسحت للنقد مجاله فلو ألقينا نظرة على البلدان المجاورة لنا خليجية وغير خليجية لرأيناها سبقتنا سبق الأرنب للسلحفاة بل تقبلوا النقد بروح سمحة لأنه لولا النقد لما نضج تأليف والنضج العقلي يعرف أنَّ النضج الفكري لا مجال فيه للعواطف ولا للمجاملات ولا للمحسوبية ولا للانفعالات النفسية أو الأغراض الشخصية ولهذا فإنك تجد الكتاب سرعان ماتنفذ طبعته فيطبع طبعات أخرى لماذا؟ لأن أقلام الناقدين تتناوله من كل جهة فيروح بعدها الكتاب وتروج صناعة الكتابة والنقد وتتلاقح الفهوم ولو رجعنا إلى كتب سلفنا الصالح في العلوم شرعية وغير شرعية لرأينا المكتبة عامرة بالاستدراكات والحواشي مما يدل على نضج هذه العقليات أمَّا في بيئتنا ومحيطنا الضيق فلاتزال لغة الفلاحين هي الغالبة وترى الكتاب يطبع سواء كان اجتهاداً أو رسالة علمية عليا ولكنك ترى الغبار عليه وإذا سألت أي شخص كبيراً أوصغيرأً وسألته هل اطلعت على مؤلف فلان كذا أو فلانة كذا لأجاب بسرعة نعم اشتريته ثم يبدأ يكيل الثناء للمؤلف ثناء فيه مبالغة وتصنع ثم أثنى على حجم الكتاب وإذا قلت له ما رأيك فيه لما استطاع الإجابة لأنه ما قرأه أو قرأه ولكنه قرأه قراءة البركة
وعين الرضاء عن كل عيب كليلة
                   كما أنَّ عين السخط تبدي المساويا
ولو أنك أثنيت على المؤلف وعلى الكتاب ثم أردت أن تنبه على بعض المآخذ التي لا يخلو منها كتاب إلاَّ كتاب الله عز وجل لغضب ثم أشيع عنك بأنك حسود وتحطم المواهب الناشئة وأنك معقد مع أنَّ المكتبات التجارية تعج بكتب نقد لفحول العلماء في كل فن لولاها لما صارت لنا حضارة أقول فتجد الكتاب الذي يؤلف في محيطنا الضيق ترى عليه الغبار ولاينتشر أو تعاد طبعته إلاَّ في حالة أن المؤسسات الحكومية تشتري منه كميات لتوزيعه مجاناً والكتاب الذي لاينقد معناه أنه لم يقرأ معناه أنه لم يجد له قبولاً وكان من طريقة السلف أنهم إذا لم يعجبهم مؤلف أو مؤلَّف فإنهم يهملون قراءته ثم يموت ذكر الكتاب ويخمل صاحبه.
وربما أنَّ المؤلف أستاذ في النقد ومع ذلك لا تجد من يقوم بعمل دراسة على مؤلفاته أقول لو كنت مكانه لحزنت لأنني لو كنت مهماً لو كان كتابي مفيداً لتناولته الأيدي بالدراسة والنقد أقول الأيدي الناضجة المتفتحة لا الاقصائية المعقدة المستعجمة فهذا الذي ألف الكتاب لاشك أنه حريص أن يطلع الناس على كتابه وعلى أن يقولوا رأيهم فيه هذا شأن البشر في كل شأن فأنا حين ألتقي بصديقي فإنه يسألني ما رأيك في هذا الكتاب وما رأيك في هذه الساعة وما رأيك في هذا المقال لأنني إذا لم يدرس نتاجي دراسة نقدية موضوعية فسوف ينكسر خاطري هذا لوكنت في غير هذه البيئة وفي غير هذا المحيط.
وبالمناسبة فإنَّ عندي مجموعة من الدراسات النقدية لمؤلفين شباب من محيطنا حتى الآن لم أنشرها تتقدم رجلي وتتأخر لأنه بلغني أنهم قالوا لي هكذا ((فلان حساس لا مايتحمل)) ((فلان مسالم ايش بينك وبينه)) هكذا وبهذه اللغة خوطبت فقلت في نفسي يا سبحان الله إذا نشرت هذه الدراسات يصاب هؤلاء المؤلفون بنكسة وكارثة هذا مع أنه من حقي ومن حق كل ناقد أن يظهر نقده لماذا؟ لأن المؤَّلف خرج عن كونه لمؤلفه بل صار للقراء فلهم الحق أن يصدروا أحكامهم سواء عدلوا أو جاروا ((فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)) هذا والله من وراء القصد.      
 
  كتبه خادم أهل العلم

  محمد بن عبدالرحمن بن حسين آل إسماعيل

* نشر في جريدة (اليوم) الأحد 1429-07-03هـ الموافق 2008-07-06م

العدد 12805 السنة الأربعون 

http://www.alyaum.com/issue/article.php?IN=12805&I=597355&G=1