قراءة في كتاب
الشيخ عبدالله العكلي
سير الصالحين تعطر بها المجالس ولقد كان العلماء في السابق يشدون الرحل ويقطعون الفيافي للاستفادة من سمت العلماء الربانيين ومن وقارهم وقد ألفت في ذلك كتب كثيرة مثل الحلية لأبي نعيم وصفة الصفوة لابن الجوزي ومختصره للشعراني ولهذا جاء فيما نسب للإمام أبي حنيفة رحمه الله ((قراءة سير الصالحين أحب إليَّ من كثير من الفقه)).
فلا شك أنَّ الفقه في الدين أرقى المراتب فقد حض عليها الوحيان وقال الحبيب صلى الله عليه وسلم: ((من يرد الله به خيراً يفقه في الدين)) ودعا لابن عباس فقال: ((اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل)).
وقال أحدهم:
إذا اعتز ذو علم كعلم
فعلم الفقه أولى باعتزاز
فكم طيب يفوح ولا كمسك
وكم طير يطير ولا كباز
ولكن هذا العلم وهذا الفقه دين فانظروا عمَّن تأخذون دينكم إذاً سير العلماء وسلوكياتهم مدارس ومحاضن للتربية فلا ينفع تعليم بلا تربية فالأدب والسلوك والتسلك بسلوك الصالحين هذا مطلب مهم في حياة المسلم عامة وطالب العلم خاصة ولذا فإنَّ الذي يجالس الصالحين أو يقرأ سيرهم يختلف حاله اختلافاً جذرياً عن الذي يحرص على أخذ العلم وحفظه ولكنه لا يعتني بجانب التربية والمجالسة فذاك مدرسة أخلاق والأخير فظ غليظ فيه جفاء لأنه لم يتأدب بآداب الصالحين ولم يهذب نفسه بسير العلماء الربانين ومن هذا الجانب فإنَّ همة الأستاذ الأديب عبدالعزيز بن عبدالرحمن الضامر أبت إلاَّ أن يهديني مؤلفه النفيس لمحة موجزة عن حياة العابد الزاهد الشيخ عبدالله بن محمد العكلي رحمه الله. والكتاب يقع في 128 صفحة من القطع المتوسط.
وحين قرأت الكتاب قلت في نفسي: فاتني خير كثير فسيرة هذا الرجل تذكرك بحياة الإمام الجنيد بن محمد وبحياة ابن سيرين وبالإمام أحمد بحياة أولئك الصالحين وسيرهم ولقد كان العلماء يشدون الرحال إلى العلماء لا لأخذ العلم وإنمَّا لمجالستهم والاستفادة من هديهم وسمتهم وسلوكهم ووقارهم ورزانتهم وحكمتهم ومصداقيتهم كالإمام عبدالرزاق الصنعاني وكالإمام مالك وكالإمام أحمد رحمهم الله وغفر لهم.
ولذا فإننا نرى أنَّ التعليم جاف ليس فيه تربية وفاقد الشيء لا يعطيه ظهرت الفتن بالتعجل في التصدر والغيبة والنميمة والكذب والحسد عند قوم يرون أنَّ لهم الصدارة في العلم فأقول بئس القدوة هؤلاء ثم بئس القدوة وتكاد السفينة تغرق لتصدر هؤلاء وأمثالهم وأقول بارك الله في جهود الأخ عبدالعزيز ووفقه وثبتني وإياه على الحق فعمله مشروع كبير يذكر فيشكر فنحن بلا شك في حاجة ماسة إلى الوقوف مع أنفسنا من جديد لنرى هل نحن مواعين للعلم أم لا ؟ فلا شك أنًّ لكل شيء ماعوناً وللعلم ماعون ولهذا جاء في الحديث ((إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظروا الساعة)) هذا وصلى الله على عبده ورسوله سيدنا ونبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
كتبه خادم أهل العلم
محمد بن عبدالرحمن بن حسين آل إسماعيل
* نشر في جريدة الجزيرة السبت 05 شعبان 1431 العدد 13806
Saturday 17/07/2010 G Issue 13806
http://www.al-jazirah.com/20100717/rj12d.htm