شعرة معاوية بين الإنسان و البنيان


شعرة معاوية بين الإنسان و البنيان


شعرة معاوية
بين الإنسان و البنيان
 
كثيراً ما نتحدث عن شعرة معاوية والكل يعرف أنَّ الشعرة إذا شدت انقطعت ولكن شعرة معاوية لا تشد فهي أبداً متصلة إذا شد أحد الطرفين أرخى الآخر وإذا الأول شد أرخى الثاني إذاً هي دائماً في حالة ارتخاء بمعنى أن علاقة الإنسان بالآخرين السوية هكذا يجب أن تكون بمعنى أنَّ هناك مساحة للمراجعة ومساحة للتفاهم وهي علامة على التحضر وعمق الإدراك وتجد هذا يظهر جلياً في التعامل في الأخذ والعطاء ومن هذا الباب قال الشاعر:
                ولست بمستبق أخاً لا تلمه
                                                                على شعث أي الرجال المهذب
فالحياة تأخذ شكل انعطافات وانحناءات على شكل أقواس فالمتحضر والمثقف ليس محصوراً بين خيارين الأبيض والأسود.
                لا بل عنده شيء بينهما هناك ما يسمى البيج وهكذا المسلم الواعي المدرك.
                ولهذا فإنك تلحظ السماحة في تعامله واللباقة في كل أموره الحسية والمعنوية تجد هذا في هندامه الذي يرتاح منه إذا مشى بل حتى مسكنه وبنيانه يأخذ أشكالاً منفرجة لا ترى حاد الزاوية بل تجد منفرج الزاوية فإنك ترى المساكن المتحضرة على أشكال أقواس مما يدل على المرونة جميع شؤون الرجل المتحضر والرجل الواعي المدرك الحصيف بل حتى لا ترى قائم الزاوية فإنك ترى البناء يأخذ وقتاً في التجميل يدل على سعة نظر وسعة صدر في البنَّاء و تلاحظ هذا في مباني الأحساء القديمة في مساجدها وفي قصر إبراهيم وفي مسجد الدبس وفي جامع الإمام فيصل بن تركي قبل هدمه وخير شاهد سوق القيصرية قبل احتراقه وهدمه وإن كان البناء الجديد مزدوجاً فهو خلط بين الأقواس وبين قائم الزاوية وحاد الزاوية ولكنك حين تذهب إلى الأسواق الحديثة الأحساء كأسواق شارع الثريات وغيرها ترى بناء يخالف طبيعة البلاد الحضارية إما قائم الزاوية أو حاد الزاوية ليس فيه شيء من الجمالية التي ترتاح لها النفس بل حتى في الألوان والصبغات فإنك ترى البناء الحضاري القديم أبيض اللون مطلياً بالجص والبناء العصري فيه مزج بين الألوان نادراً لا ترى أخضر أو أزرق لأنَّ الأخضر أو الأزرق الخالص يسمى أرزق صارخ أو أخضر صارخ فانظر إلى مادة الصراخ بخلاف البيج أمَّا الأصفر فهو سيد الألوان على الجدران أو في الكتب أو في فساتين النسوان.
                وصدق الله العظيم حين قال: ((صفراء فاقع لونها تسر الناظرين))
ولهذا استحب الفقهاء أن يكون شراك النعل أصفر لأنه من جلود البقر ولأنه يزيل الهم والأصفر من الكتب هو الذي يريح البصر عند الإكثار من القراءة أمَّا الأصفر عند النساء فهب أنك جالس مطرق في مكان قاتم ثم مرت من بعد امرأة تلبس الأصفر فإنك تلقائياً ودون إرادة سوف ترفع رأسك لأنَّ الأصفر شدَّ انتباهك ومن هذا الباب فإنه ليس من حق المرأة أن تلبس الأصفر حين دخولها السوق حتى لا تفتن الرجال هذا والله من وراء القصد.
 
كتبه خادم أهل العلم

محمد بن عبدالرحمن بن حسين آل إسماعيل

* نشر في جريدة الجزيرة الأحد 16 محرم 1433 العدد 14318
Sunday 11/12/2011 Issue 14318
http://www.al-jazirah.com/20111211/rj4d.htm