نفثات صدر المكمد


نفثات صدر المكمد


نفثات صدر المكمد
 
قال لي صاحبي لماذا أنت تتساهل في التزكية فكم من شخص زكيته وظهر على خلاف ما ذكرت؟
                فقلت له صدقت والله ولكن حالي وحال هذا الصنف من الناس الحديث المعروف ((من خدعنا في الله انخدعنا له)) فبعضهم ينطبق عليه
يعطيك من طرف اللسان حلاوة
                                                و يروغ عنك كما يروغ الثعلب
واخواننا أهل مصر يقولون: ((كل يعمل بأصله))
يعني أنك تتعامل مع الناس حسب نشأتك وتربيتك فأنت نشأت وتربيت على المصداقية في كل أمورك وكما ورد لنا الظاهر والله يتولى السرائر.
                لقد كنت أجالس ناساً يعدون في الصالحين ثم تبين لي أنهم ليس كما قيل عنهم بل قلوبهم مشحونة حقداً وغلاً وحسداً بل و عفناً بل كان أحدهم يخدع السذج والحمقى الذين يغترون بالمظهر فحين تلقاه تجد ثياباً رثة وبشتاً رثاً بل شكله متعفن أو كما يقول العامة ((مقطن)) وما دروا أنَّ هذا الشكل يعكس خبثه وسوء طويته قذف الناس والطعن في شرفهم من أهون الأشياء عنده بل جاءه أحدهم يشكو له أحد الناس ويستشيره منخدعاً به فلمَّا فارقه فما كان من هذا إلاَّ أن اتصل بالرجل الآخر وقال له بأنَّ فلاناً يتهمك بكذا،فأشعل الفتنة ثم قال: أنا أشهد على ما قال فلان. أقول: هذا المصاب بلوثة في عقله وما درى أنَّ عمله ليس شهادة بل هي غيبة وفتنة وخيانة وهذه كلها من كبائر الذنوب.
                ثم قال لي صاحبي أنت زكيت فلاناً وهذا الرجل حسود حقود وإذا مر ذكرك فإنه يفتر ولا يذكرك بخير؟
قلت لصاحبي كل ذي نعمة محسود والطبع يغلب التطبع أما مرَّ عليك الحديث الشريف الرجل الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم أنَّ لي قرابة أصلهم ويقطعونني وأحسن إليهم ويسيئون إليَّ قال صلى الله عليه وسلم إن كنت كما تقول فكأنما تسفهم المل ولا يزال لك عليهم من الله ناصر والمل هو الرماد الحار.
                أو أما مر بك الخبر: اتق شر من أحسنت إليه. فقد فسره أحد الفضلاء قائلاً أنَّ هذا الذي أحسنت إليه ليس كفؤا لأن يصل إلى شيء لولا أنك أوصلته فلمَّا وصل إلى مبتغاه طغى وتكبر وانتفخ وصار كالهر يحكي انتفاخة الأسد فتجبر وأهان من أهان ولكنه كلما رآك تذكر نقصه فصرت تذكره بنقصه وبعقدته ففكر أن يؤذيك وأن يسئ إليك حتى يزيلك عن ذهنه ويتخلص منك ثم لا يغب عنك أنَّ العصا من العصية وهل تلد الحية إلاَّ الحية. عرفته صغيراً بتقلب المزاج وتناقض الأقوال بل وعرفه غيري ما عنده مانع أن يمدحك وأن يشتمك في آن واحد فهو ابن ساعته يقبل رأسك ويطعمك أطيب الأطعمة ولكن بمجرد ما يفارقك يصفك بأقبح الأوصاف وربما قذفك وطعن في عرضك وليس عنده مانع حتى للسعي في سفك دمك وهذا كما يقول أهل مصر يقتل القتيل ويمشي في جنازته ليس عنده حلال إلاَّ ما حل في جيبه يقذف الصالحين والشرفاء بأشياء هي فيه كما في المثل رمتني بدائها وانسلت. فهو كما يقول العامة ((وجهه مغسول بمرق)) ومع هذا كله فهو يعظ ويخطب ويفتي.
                قال صاحبي كفى ولا أقول إلاَّ جزاك الله خيرا. 

 

كتبه خادم أهل العلم
محمد بن عبدالرحمن بن حسين آل إسماعيل